صندوق خليجي بـ 500 مليـار دولار لمواجهة تداعيات «كورونا»

02:24 صباحا
قراءة 4 دقائق
عدنان أحمد يوسف
عدنان أحمد يوسف
عدنان أحمد يوسف *

كثيرة هي الدروس والعبر التي يمكن أن نتعلمها ونتدبرها من أزمة تفشي وباء فيروس «كورونا» المستجد سواء بالنسبة لنا كأفراد أو مؤسسات أو مجتمعات، وحتى بالنسبة للدول والتجمعات الإقليمية والعالمية على مختلف مشاربها وأهدافها وطبيعتها.
ولا شك أن دول مجلس التعاون الخليجي نجحت خلال السنوات الأربعين الماضية في تعزيز مسيرة المجلس في شتى المجالات، وخاصة على صعيد التكامل الاقتصادي والمالي. ونحن لا ننكر هنا أن هذه المسيرة واجهت ولا تزال تواجه العديد من العقبات التي تحول دول تلبية ما تحقق من إنجازات مستويات طموحاتنا كأفراد ومؤسسات ومجتمعات؛ لكننا نعتقد أن جائحة «كورونا» يجب أن نتعظ من دروسها جميعاً. فلقد لاحظنا احتياج العالم للتكاتف والعمل الجماعي؛ من أجل مواجهة تداعيات الجائحة، كما لاحظنا تذمر الشعوب الأوروبية من تأخر تضامن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي معها، ثم اليقظة الأوروبية الجماعية اللاحقة من أجل تخصيص ميزانيات مالية ضخمة؛ لمواجهة تلك التداعيات. وكذلك فعلت الكثير من التجمعات الإقليمية.
لقد فرضت الجائحة معطيات اقتصادية واجتماعية جديدة، تقتضي إعادة النظر على المستويين العملياتي والاستراتيجي في كيفية تأمين حاضر ومستقبل مجتمعاتنا في حال تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاً، أو حتى في كيفية الخروج من الأزمة الراهنة. ويمكن لكل دولة على حدة أن تدعي قدرتها على تجاوز هذه التداعيات، ولكن بالتأكيد سوف تكون كُلفة ذلك أعلى بكثير فيما لو كانت جهودها منسقة في إطار تكتلات إقليمية مشتركة.

وهذا ما لاحظناه خلال الأسابيع الماضية، فقد أدت جائحة «كورونا» بالتزامن مع تراجع أسعار النفط إلى خلق ضغوط متزايدة على الميزانيات العامة الخليجية. ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي فإن البلدان المصدرة للنفط تتعرض في الوقت الحاضر لصدمة مزدوجة يتزامن فيها انخفاض الطلب العالمي وانخفاض أسعار النفط؛ حيث يتوقع تراجع الصادرات النفطية بأكثر من 250 مليار دولار في أنحاء المنطقة. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تتحول أرصدة المالية العامة إلى السالب، متجاوزة 10% من إجمالي الناتج المحلي في معظم البلدان.
لذلك لاحظنا خلال الأسابيع الماضية قيام الحكومات الخليجية باللجوء إلى السوق المحلي والدولي للترتيب لقروض مجمعة بمدد متفاوتة قدرت بعشرات المليارات من الدولارات.
بينما تشير توقعات معهد التدويل الدولي إلى ارتفاع مديونية دول التعاون من 30 مليار دولار في 2014 إلى 220 مليار دولار في ديسمبر 2019، متوقعاً أن تواصل ديون دول مجلس التعاون الخليجي ارتفاعها في الأسواق الدولية هذا العام، على الرغم من أن جانباً من الاحتياجات المالية ستتم تغطيته من صناديق الاحتياطي؛ حيث تقدر قيمة الأصول الأجنبية العامة لدول التعاون 2.84 تريليون دولار بنهاية 2019، كما يتوقع انخفاض إجمالي هذه الأصول إلى أقل من 2.8 تريليون دولار هذا العام، كما أن نحو 70% من هذه الأصول مودعة لدى صناديق الثروات السيادية. وعلى الرغم من أن هذه الأصول تمثل مصدات أمان مالية كبيرة، فإنها معرضة لتراجع أكبر في السنوات التالية إذا استمر السحب من هذه الأصول لتلبية احتياجاتها المالية الضخمة. كما يتوقع أن يبلغ حجم الإصدارات السيادية الخليجية المرتقبة أكثر من 90 مليار دولار خلال هذا العام.
وإلى جانب الاحتياجات التمويلية الموجهة لتغطية العجز الحاصل عن تراجع الإيرادات النفطية والإنفاق الاستثنائي الناجم عن مواجهة تداعيات تفشي «كورونا» سواء المتعلق بالتدابير الصحية والوقائية أو المتعلق بحماية الاقتصاد والمجتمع، فإن سياسات حماية محركات النمو تتطلب خلال المرحلة المقبلة، تخفيف الأثر الواقع على الأسر، والقطاعات الأشد تضرراً، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ حيث ينبغي أن تكفل سياسة المالية العامة توفير شبكات الأمان الاجتماعي الكافية، وتقديم مساعدات التخفيف الضريبي، وإعانات الدعم، والتحويلات المؤقتة والموجهة للمستحقين. وينبغي أن تضمن السياسات النقدية والمالية، تلبية احتياجات السيولة مع المحافظة على السلامة المالية. كما أن خطط إنعاش الاقتصاد ووضعه على مسار تحقيق النمو المستدام سوف يتطلب استعادة الثقة، عن طريق توفير دعم واسع النطاق على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية لكافة الأنشطة المتضررة، وبنفس الوقت استدامة الخدمات العامة، ووضع خريطة طريق لتعافي الاقتصاد والمجتمع.
إن جميع ما ذكرنا سواء المتعلق بالاحتياجات التمويلية الآنية للدول الخليجية لمكافحة تداعيات تفشي «كورونا» صحياً ومجتمعياً واقتصادياً، أو فيما يخص احتياجاتها للخطط الانعاشية للاقتصاد هي ما يدفعنا اليوم للاقتراح بتأسيس صندوق خليجي سيادي مشترك، مع إمكانية أن يشارك فيه القطاع الخاص برأسمال ضخم (نحو 500 مليار دولار) يوجه لتوفير التمويل والدعم لكافة تلك الاحتياجات الآنية والمتوسطة والطويلة الأجل لكل من الحكومات والقطاع الخاص. إن إطلاق مثل هذا الصندوق سوف يوفر الكثير من النفقات الباهظة على دول التعاون، ويوفر لها التمويلات بكلفة أقل، كما سوف يمكنها من تنسيق عمليات الدعم والإنعاش بصورة مشتركة وموحدة يعزز مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي المطلوب تكريسها بصورة أكبر خلال المرحلة المقبلة.

* رئيس جمعية مصارف البحرين،
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"