اضطراب دورية المزاج.. هوس زائد واكتئاب أقل

00:39 صباحا
قراءة 6 دقائق

يعد اضطراب دورية المزاج حالة يترواح فيها المصاب بين نوبات من الهوس الخفيف ونوبات أخرى من الاكتئاب الخفيف.
ويشبه هذا الاضطراب اضطراباً ثنائي القطب، إلا أنه أقل شدة منه، فتكون نوبات الهوس والاكتئاب أقل، كما تستمر في العادة بضعة أيام فقط، وتعود غالباً على فترات غير منتظمة.
و يمكن أن تتطور حالة المصاب بهذا الاضطراب إلى اضطراب ثنائي القطب، أو من الممكن أن يستمر كما هو، وبصفة عامة فإن علاج هذا الاضطراب ضروري، لأن أعراضه ربما إعاقة المصاب عن ممارسة حياته بشكل طبيعي.
يجب أن تتوفر بعض المعايير التشخيصية لمعرفة الحالة بهذا الاضطراب، كما أن خيارات العلاج تشمل الأدوية والعلاج النفسي.
ويهدف العلاج إلى تخفيف حدة الأعراض، ومحاولة تجنب أن تتطور الحالة، حتى لا تصل إلى الإصابة باضطراب ثنائي القطب، مع ملاحظة أن العلاج يستمر مدى الحياة.
ونتناول في هذا الموضوع مرض اضطراب دورية المزاج بكل تفاصيله، ونكشف المسببات والأعراض، ونقدم طرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج المتبعة والحديثة.


تقلبات عاطفية


تتراوح أعراض اضطراب المزاج الدوري من تقلبات عاطفية تصعد وتهبط بالمصاب، وفي فترات الصعود تكون أعراض الحالة المزاجية أعراض الهوس الخفيف، في حين أن الأعراض خلال فترات الهبوط تكون اكتئاباً خفيفاً أو متوسطاً.
وتشبه أعراض دورية المزاج أعراض الاضطراب ثنائي القطبي من النوعين الأول أو الثاني، إلا أنها أقل حدة، وعند الإصابة بهذا الاضطراب فإن المصاب يمكن في العادة القيام بوظائفه الحياتية، غير أنها لا تكون على نحو جيد دائماً.
ويمكن أن تتسبب الطبيعة غير المتوقعة لتقلبات المزاج في عرقلة حياة المصاب بصورة كبيرة، لأنه لا يدري على وجه التحديد ما سوف يشعر به في وقت لاحق.


سعادة مبالغة


تتضمن أعراض الهوس الخفيف التي يعانيها المصاب بهذا الاضطراب شعوره بشكل مبالغ فيه بالسعادة والسرور.
ويكون لدى المصاب شعور بالتفاؤل الشديد، كما أن تقديره لذاته يكون متضخماً، ويتحدث بشكل أكثر من المعتاد.
ويعاني بسبب هذا الاضطراب سوء تقدير للأشياء، وهو الأمر الذي ربما تسبب بسلوك خطر أو قرارات غير مدروسة، كما يعاني تسارعاً للأفكار. ويصبح نشاطه البدني مفرطاً، مما يؤدي إلى زيادة رغبته في العمل أو تحقيق الأهداف، كما أن سلوكه يصبح عدوانياً.
وتشمل أعراض الهوس الخفيف أيضاً انخفاض الحاجة إلى النوم، ويصبح أكثر ميلاً للتشتت بيسر، مع المقدرة على التركيز.
فراغ داخلي
يمكن أن يعاني المصاب باضطراب دورية المزاج خلال فترات الهبوط بعض الأعراض الاكتئابية؛ حيث يشعر بالحزن أو اليأس أو الفراغ الداخلي.
ويصبح كثير البكاء، وأيضاً كثير الهياج وبخاصة لدى الأطفال والمراهقين، ويفقد اهتمامه بالأنشطة التي كانت سابقاً تعد بالنسبة له ممتعة.
ويفقد الكثير من الوزن، مع شعوره بانعدام القيمة أو الذنب، كما يعاني مشاكل في النوم، ويصاب بالتعب بشكل سريع، ومشاكل في التركيز، ومن الممكن أن تسيطر عليه فكرة الموت، أو التفكير في الانتحار.
ويلاحظ أن المصاب باضطراب دورية المزاج يكون عرضة في كثير من الأحيان للإصابة ببعض المضاعفات، كأن يتسبب تأخر العلاج بمشاكل عاطفية تؤثر في مختلف مناحي حياته.
ويزيد خطر تطور هذا الاضطراب إلى الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول أو الثاني في وقت لاحق، كما أن المصاب يصبح عـــــرضة لإســــاءة اســـــتخدام المــــواد المخــــــدرة.
ويمكن أن يصاب أيضاً باضطراب القلق، ويتسبب كل ذلك في زيادة خطر التفكير في الانتحار؛ بل والإقدام عليه في بعض الحالات المتأخرة.


مزيج من العوامل


يجهل الكثيرون من الأطباء السبب وراء الإصابة باضطراب المزاج الدوري، وذلك على شاكلة الكثير من الاضطرابات العقلية.
وتشير بعض الأبحاث التي أجريت إلى المصابين بهذا الاضطراب إلى وجود مزيج من العوامل التي تلعب دوراً في الإصابة به.
وتشمل هذه العوامل الوراثة؛ حيث لوحظ انتشار الإصابة بدورية المزاج في بعض العائلات، وكذلك اختلاف طرق عمل المخ، كالتغيرات البيولوجية العصبية، وأخيراً البيئة، فالتجارب المؤلمة وفترات التوتر لها تأثير كبير.
وتبدأ الإصابة بهذا الاضطراب في الغالب في مرحلة المراهقة، ويصاب به الذكور والإناث بنفس الأعداد، ويعد من عوامل الخطر لهذا الاضطراب تأخير تشخيص الإصابة، الأمر الذي يؤدي إلى اضطرابات كالاكتئاب.


بدني ونفسي


يعتمد تشخيص اضطراب دورية المزاج في البداية على تحديد هل الأعراض التي تظهر على المريض تعود لهذا الاضطراب؟ أم أنها بسبب أحد نوعي اضطراب ثنائي القطب أم بسبب الاكتئاب.
ويلجأ الطبيب المعالج لتأكيد تشخيص المصاب إلى إجراء فحوص عدة واختبارات، والتي تبدأ بفحص بدني، يشمل فحصاً جسدياً واختبارات معملية، للمساعدة على تشخيص أي حالات طبيبة ربما كانت وراء هذه الأعراض.
ويلي ذلك إجراء تقييم نفسي، وفيه يسأل الطبيب المريض عن أفكاره ومشاعره وأنماط سلوكه، ويمكن أن يطلب منه ملء استبيان، أو يطلب من الأسرة أو الأصدقاء المقربين بعض المعلومات حول ما يعانيه من أعراض.
ويمكن حتى يحدد ما يحدث أن يقوم الطبيب المعالج بالاحتفاظ بسجل يومي لمزاجات المصاب وأنماط نومه، وأي عوامل أخرى تساعد في التشخيص ووضع خطة العلاج الصحيحة.


معايير للتشخيص


يجب توفر بعض معايير التشخيص، وذلك وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، والتي تبدأ بمرور المصاب بدورات عدة من ارتفاع الحالة المزاجية، وأعراض الهوس الخفيف، ودورات من الاكتئاب لمدة عامين على الأقل، وبالنسبة للأطفال والمراهقين لمدة عام فقط، وتحدث الارتفاعات والانخفاضات على الأقل لنصف هذا الوقت.
وتكون فترات المزاج المستقر أقل من شهرين، كما أن الأعراض تؤثر في مستوى المصاب الاجتماعي في الدراسة أو العمل أو أي منطقة مهمة له. ويشير الدليل إلى أن أعراض اضطراب دورية المزاج لا تتفق مع معايير الاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب، أو أي مرض نفسي آخر، كما أنه يجب ألا تكون بسبب تعاطي المخدارت أو أي حالة مرضية.


تقليل المضاعفات


يحتاج المصاب باضطراب المزاج الدوري إلى الالتزام بالعلاج مدى الحياة، ويشمل ذلك الفترات التي يشعر فيها بالتحسن.
ويهدف الطبيب من خطة العلاج إلى تقليل خطر الإصابة باضطراب ثنائي القطب من النوع الأول أو الثاني، لأن هناك خطراً أن يتطور دورية المزاج لهذا الاضطراب.
ويعمل العلاج على تقليل حدة الأعراض ومدة تكرارها، وهو ما يعود على المصاب بتوفير حياة أكثر اتزناً وجودة.
ويوفر العلاج الوقائي، والذي يكون خلال فترات التعافي، الوقاية للمصاب من انتكاس الأعراض، كما أن العلاج يتلافى أي مشاكل ربما تفاقم الأعراض بسبب سوء استخدام الكحوليات أو المواد المخدرة.


تغيير السلوك


يشمل علاج اضطراب دورية المزاج علاجاً دوائياً ونفسياً، ولا تتوفر أدوية خاصة بهذا الاضطرب، وإنما من الممكن أن تساعد أدوية اضطراب ثنائي القطب على التحكم في الأعراض، وتقي من الاكتئاب والهوس الخفيف، والتي من الممكن أن تأتي على هيئة نوبات. ويعد العلاج النفسي مهماً للغاية في علاج اضطراب المزاج الدوري، والذي يتوفر في جلسات فردية أو عائلية أو في مجموعات.
ويتضمن العلاج المعرفي السلوكي، ويتمحور حول التعرف إلى أي معتقد أو سلوك غير صحي وسلبي واستبداله بآخر صحي وإيجابي.
ويمكن لهذا العلاج تحديد المحفزات التي تسبب الأعراض، كما يمكن من خلاله تعلم استراتيجيات فعالة للتحكم في التوتر والتعامل مع المواقف التي ربما شكلت ضغطاً نفسياً.
ويركز العلاج الشخصي الاجتماعي على ترسيخ وتيرة يومية ثابتة، والتي تتضمن مواعيد النوم والاستيقاظ، وتناول الوجبات على سبيل المثال.


نمط الحياة


يتوفر بعض النصائح والإرشادات التي يمكن أن تسهم في التخلص من اضطراب دورية المزاج؛ حيث يساعد الالتزام بالروتين اليومي على التحكم بشكل أفضل في تغيرات المزاج، ومن الممكن أن يساعد المصابين.
ويمكن أن يعتمد المصاب إضافة إلى العلاج الذي يصفه الطبيب على ابتاع نمط حياة وخطوات من الرعاية الذاتية.
وتبدأ بعدم التوقف عن تناول الأدوية حتى مع الشعور بالتحسن، لأن في هذا خطر أن يعود الاضطراب مرة أخرى.
وينبغي على المصاب الانتباه لعلامات التحذير، وفي حالة الشعور أنه يمر بفترة من الأعراض المرتفعة أو المنخفضة فعليه اتباع البرنامج العلاجي، مع إشراك المقربين له في ملاحظة هذه العلامات.


نوم كافٍ


يجب علي مريض اضطراب دورية المزاج قبل تناول أي دواء آخر مراجعة الطبيب المعالج لهذا الاضطراب؛ لأن هناك بعض الأدوية التي من الممكن أن تحفز أعراض هذا الاضطراب، أو تتداخل مع الأدوية التي يتناولها فعلاً.
وينصــــح بالانتظام في ممارسة بعض الأنشطة البدنية البسيطة، والــــتي تــساعد فـــي استقرار الحـــــالة المزاجـــــية، كما أن الحصول عـــــلى قسط من النوم كافٍ مهم للغاية في التحكم في الحالة المزاجية.
وكان أول من تحدث عن اضطراب دورية المزاج هو الطبيب الألماني كارل لودفيج كالبوم؛ وذلك عام 1883؛ حيث أشار إلى الاضطراب الذي يتسم بدورات مزاجية متكررة، ويكون في مشاهد اكتئابية وهوسية أقل حدة من اضطراب ثنائي القطب.
ووضع كالبوم وتلميذه أيوالد هيكر مصطلح اضطراب دورية المزاج، ومن ثم طور نظرية عنه من خلال عمله مع المصابين الذين يعانون هذه الأعراض.
واعتبر اضطراب دورية المزاج نوعاً فرعياً من الاضطراب ثنائي القطب، كما اعتبر أنه حالة مزاجية وسمة شخصية واضطراب في الشخصية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"