«الصحة العالمية».. هل هي كبش فداء؟!

03:15 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. رضا محمد هلال *

توالت في الفترة بين بداية ونهاية مايو / أيار 2020 موجات الانتقادات الأمريكية - البرازيلية لمنظمة الصحة العالمية، فيما يتعلق بإدارة جائحة كورونا، التي بلغت ذروتها في نهاية مايو / أيار بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عزم حكومته الانسحاب من المنظمة ووقف دعمها.
إن توقف الولايات الأمريكية عن تسديد اشتراكها المالي السنوي بالمنظمة، والذي يقترب من أربعين مليون دولار، ويشكل 27% من إجمالي اشتراكات الدول الأعضاء؛ والتمادي أو المبالغة في تهديد المنظمة، بزعم خضوعها للحكومة الصينية، مؤشر على أزمة داخلية أمريكية جراء الفشل في التعامل مع الجائحة.
وسرعان ما وجد ترامب له تابعاً وشريكاً ممثلاً في الرئيس البرازيلي جايير بوليسنارو في كيل الاتهامات للمنظمة الدولية التي اعتبروها مسؤولة عن فشل وقصور نظامهما الصحي في السيطرة على انتشار الفيروس، الذي تفشى في ربوع دولتيهما، حيث تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى، وتليها البرازيل في المرتبة الثانية من حيث عدد الإصابات والوفيات، والتي وصلت في منتصف يونيو / حزيران الجاري إلى ما يربو مليوني مصاب، ونحو 118 ألف وفاة في الأولى، وقرابة 851 ألف مصاب، و43 ألف وفاة في البرازيل. وهو ما يستدعي الوقوف على مدى دقة وثبوت الاتهامات الأمريكية البرازيلية لمنظمة الصحة العالمية، ومراجعة مواقف وسياسات تعامل الدولتين، مع انتقال العدوى بفيروس كورونا إليها، والتعرف إلى الإجراءات والسياسات التي اتخذتها المنظمة في حدود إمكاناتها ووظائفها، للحد من انتشار هذا الفيروس وتحوله لجائحة عالمية.


تجاهل التحذيرات


1- انتشار الوباء في أمريكا والبرازيل بين التهوين وتبني الرأسمالية الفجة:

على الرغم من كثافة الاهتمام الإعلامي والعالمي بمجريات وتطورات معالجة الحكومة الصينية لفيروس كورونا، بدءاً من مارس 2020؛ وقيام الأجهزة الصحية المعنية والمتخصصة في الولايات المتحدة بإصدار النشرات والتوصيات لصانعي القرار أولاً بأول بحالة وتطورات انتشاره، وخروجه عن سيطرة الأجهزة الصينية، وانتقاله لعدد من الدول المجاورة، ومنها تايوان وسنغافورة والفلبين؛ ومن أبرز هذه المؤسسات الأمريكية المتخصصة وحدة الاستخبارات الطبية الأمريكية، التي حذرت الحكومة الأمريكية من خطر انتشار فيروس كورونا المستجد قبل إعلان منظمة الصحة العالمية تحول الفيروس إلى وباء أو جائحة عالمية بأسبوعين، حيث وجهت الوحدة يوم 25 فبراير 2020 تحذيراً إلى مسؤولي وزارتي الدفاع والصحة من أن الفيروس سيصبح جائحة عالمية في غضون 30 يوماً، وسيتسبب بحدوث أزمة صحية كبرى للقوات الأمريكية في الخارج، وللمواطنين الأمريكيين بالداخل؛ وطالبت الوحدة إدارة الرئيس ترامب بإعلان حالة الطوارئ القصوى، وتخصيص معدات وأجهزة تنفس ومستشفيات ميدانية مجهزة طبياً لاستقبال آلاف المصابين بالمرض؛ فضلاً عن مطالبته بفرض حظر التجول، ووقف العمل بالأجهزة الفيدرالية والمحلية في الولايات المتضررة.
ويبدو أن الرئيس البرازيلي جايير بوليسنارو، الذي صنفه كثير من الخبراء في فئة القادة الشعوبيين واليمين المتطرف، قرر منذ البداية أن يحذو ذات مسلك وتوجهات الرئيس الأمريكي من حيث التقليل من خطورة المرض، والدعوة إلى الإبقاء على النشاط الاقتصادي بوضعه الطبيعي، والإشادة بفاعلية عقار «الهيدروكسي كلوروكين» الخاص بعلاج مرض الملاريا في مواجهة الأعراض الأولى للفيروس.


الهروب إلى الأمام


2- ترامب وبوليسنارو وسياسة القفز للأمام للهروب من المحاسبة:

في خطوة تالية قرر الثنائي ترامب وبوليسنارو التهديد بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، باعتبارها تراخت، وتواطأت مع الحكومة الصينية في انتشار الفيروس، وتحوله لوباء عالمي، وأضاف إليها الرئيس البرازيلي لمسته الخاصة، باعتبارها تعزز الانحيازات والتمييز الأيديولوجي والعقائدي بين دول العالم؛ وطالب المنظمة بلسانه وبتفويض من ترامب، إما بالعمل دون انحياز عقائدي، أو أن يغادرها مع الرئيس الأمريكي.
وتكشف متابعة التطورات في البرازيل عن مواجهة الرئيس بوليسنارو عدة مشكلات داخلية تضافرت مع قصور إدارته في معالجة انتشار وباء كورونا في البلاد من أبرزها: توجيه منظمة الصحة العالمية انتقادات متواصلة لسياسات رصد وتداول المعلومات والبيانات الخاصة بتفشي الوباء في الولايات البرازيلية؛ واندلاع المظاهرات المنددة بتزايد معدلات الفساد في البرازيل، والتي طالت الرئيس وأسرته؛ مع تدني مخصصات الإنفاق على الصحة ومرافقها والقائمين عليها، ومطالبة منظمة الصحة العالمية وأحزاب المعارضة بزيادة هذه المخصصات، وهي المطالب التي أعلن بوليسنارو رفضها استناداً إلى عدم حاجته إلى أشخاص من الخارج، ليعبروا عن شعورهم بالوضع الصحي بالبرازيل.


معركة مع الإعلام


3 - تعاون وسائل الإعلام المحلية مع الصحة العالمية في مواجهة الرؤساء:

كشف انتشار جائحة كورونا في الولايات المتحدة والبرازيل عن القصور أو غياب التواصل والتفاعل الإيجابي بين وسائل الإعلام الأمريكية والبرازيلية ودوائر صنع القرار عموماً، والرئاسة بصفة خاصة في البلدين، حيث تصر قيادات الدولتين على أن وسائل الإعلام تقوم بدور سلبي في هذه القضية بتسفيه وتهميش وكيل الاتهامات لهما بالتقصير والفشل في إدارة الأزمة على نحو سليم، مقارنة برؤساء سابقين مثل باراك أوباما في الولايات المتحدة ولولا دا سيلفا في البرازيل. وبدلاً من زيادة أواصر التفاعل والتواصل قرر كل منهما التصعيد والمواجهة المباشرة مع الإعلام والصحافة - التي تضع لها دساتير هذه الدول ضمانات لاستقلالها وحقوقاً للعاملين فيها - إما بطرد المراسلين أو مقاطعة الصحفيين «المشاغبين»، وعدم استكمال المؤتمرات الصحافية، كما اعتاد ترامب منذ منتصف يونيو الحالي؛ أو بفرض ستار من السرية، وحجب البيانات والمعلومات المتعلقة بانتشار الوباء عن وسائل الإعلام في البرازيل، وهو ما دفع القائمين والمتضررين من هذه القرارات إلى التوجه للمحكمة العليا، التي قررت إنصافهم وإلغاء القرارات الاستبدادية للرئيس بوليسنارو، معتبرة أن شفافية المعلومات أداة قوية لمكافحة الوباء.

4- الرسائل المتناقضة والدور التوجيهي للصحة العالمية:

وعلى المستوى الداخلي والمحلي في الولايات المتحدة والبرازيل، أبانت عملية تحليل أداء إدارتي ترامب وبوليسنارو لوباء كورونا عن تقليل كل منهما من خطورة الجائحة، ودفع رؤساء وزعماء الحكومات المحلية لرفع إجراءات الحجر الصحي، وتوجيه رسائل متناقضة للمواطنين، بشأن ما إذا كان عليهم وضع الكمامات، والتزام التباعد الاجتماعي أم لا، والعودة لممارسة الأنشطة الاقتصادية، وهو ما اعتبره كثير من قادة الرأي وحكام الولايات تعبيراً عن عدم إدراك الرئيس والمحيطين به في الدولتين لأبعاد وتداعيات الأزمة الأسوأ في تاريخهما المعاصر، واتساع فجوة عدم التضامن بين الرئيس والمواطنين، الذين يعانون في ظل الجائحة. وكثيراً ما أصدرت منظمة الصحة العالمية البيانات والمناشدات المطالبة لقادة دول العالم، ومنها الولايات المتحدة والبرازيل بعد التسرع بفتح الأنشطة الاقتصادية من دون تطبيق التدابير الاحترازية، ومن دون التوصل حتى الآن لعلاج أو لقاح لهذا الوباء.

* كاتب وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"