لبنان في غرفة العناية الفرنسية

04:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
بيروت: رامي كفوري

اختلفت النظرة إلى زيارتي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، بين مرحب بهما، وواثق من استعداد باريس وقدرتها على مساعدة هذا البلد المنكوب بكورونا والأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية، والانفجار «الهيروشيمي» في المرفأ الذي دمر ثلث العاصمة، وبين مشكك بمقاصدهما وأبعادهما، مستعيداً حقبة الانتداب الفرنسي، ومتسائلاً عن الأثمان التي سترتبها مبادرة ماكرون، وهل أن ما يضطلع به يحظى بمظلة دولية ‐عربية جامعة، ومانعة من السقوط.
من لا يذكر كيف أن الولايات المتحدة، وفرنسا، سحبتا وحداتهما من لبنان، بعدما انتشرتا فيه إثر الاجتياح الإسرائيلي في لبنان، ودفعتا الثمن باهظاً عندما سقط لهما عشرات القتلى في تفجيرين مدويين، ولم يمنع الاحتشاد الدولي وحتى الأممي من حرب الجبل، واستمرار المواجهة مع الجيش الإسرائيلي؟
قبل الحديث عن مآل الوضع السياسي في لبنان والحكومة الجديدة والحلول المطروحة والعناوين التي أطلقها الرئيس ماكرون في زيارتيه إلى لبنان، لا بد من الإشارة إلى استمرار تدهور الوضع الاقتصادي ليبلغ درجة الانهيار الكبير، وذلك في ظل تراجع احتياطات مصرف لبنان من العملات الصعبة، واستحالة المساس بالاحتياط الإلزامي، وهو ما يضع المصرف المركزي أمام قرار صعب بوقف الدعم عن الدواء والمحروقات والطحين، ويدفع البلاد نحو كارثة حقيقية، وثورة تطيح بكل شيء، في ظل استشراء البطالة، وتدني القيمة الشرائية للرواتب والأجور، وهذا يحتم تحركاً عاجلاً لتوفير خط ائتماني للمصرف، ليتمكن من مواصلة سياسة الدعم، قبل الوقوع في المحظور.

هل حكومة أديب تستطيع؟

بات واضحاً أن مصطفى أديب هو خيار دولي، وتحديداً فرنسي، بنكهة لبنانية أضافتها توابل الرؤساء السابقين للحكومات، وهي تسمية قوبلت بصمت عربي في انتظار اتضاح ملامح الحكومة وأدائها.
الرئيس ماكرون حاول في زيارته الثانية أن يوحي للبنانيين بضرورة الكف عن اتباع سياسة «لحس المبرد»، وعدم ممارسة لعبة شد الحبال حول عنق لبنان، تحت طائلة إنزال العقوبات في حق من يوغل في هذا النهج من المسؤولين ف«كلهم عورات وللناس ألسن» وللمجتمع الدولي القدرة على «القصاص»، والجميع «فوق الغربال»، ولا سبيل لادعاء التعفف.. إن كل الرؤوس تحت المقصلة!!
هل قال الرئيس الفرنسي ذلك من قبيل التهويل، و«تهبيط الحيطان» أو أنه بات على قناعة بأن اللبنانيين هم دون سن الرشد السياسي، ويتعين إلزامهم قسراً بتناول الدواء، ولو كان مراً بطعم العلقم، لبلوغ الشفاء من الأمراض التي ابتلوا، وبلوا أنفسهم بها.
ويخطئ من يعتقد أن التحرك الفرنسي يأتي خارج التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، يقول مراقبون، ويعللون ذلك بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب منشغلة بمسألة عودته إلى البيت الأبيض، وهي تعمل على تنحية الملفات الجانبية مؤقتاً، وفي مقدمها المواجهة مع إيران وحزب الله، من دون التوقف عن الهجوم الإعلامي. كما أنها تعطي الأولوية للصراع العربي ‐ الإسرائيلي لإنجاز ما أمكن من الحلول لتوظيفها انتخابياً في مصلحة الرئيس ترامب. وكانت زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط مخيبة للمعارضين الموالين لواشنطن، بعدما لمسوا منه أن لا رغبة لبلاده في تصعيد الموقف، خصوصاً بعدما أغاظهم إقدام الرئيس ماكرون على الفصل بين ملف سلاح حزب الله والمعالجة السياسية بدءاً بتشكيل حكومة جديدة والشروع بالإصلاحات.
وإذا كانت هذه الإصلاحات معروفة، وتنتظر قيام حكومة تعمل على تحقيقها في مدى زمني محدد، فإن الشغل جارٍ على تشكيل هذه الحكومة وبلورة مواقف الفرقاء منها، وتوفير حاضنة سياسية حقيقية لها، لا تكون على شكل الحاضنة التي توافرت لحكومة الرئيس حسان دياب، لكن سرعان ما تهاوت هذه الحاضنة بفعل خلافات أطرافها.
هناك عين فرنسية، بمواكبة أوروبية ومباركة فاتيكانية، وحياد أمريكي إيجابي، وإغضاء عربي يترجح بين القبول الخجول والتحفظ الظاهر، على لبنان الذي يبدو هذه المرة أنه أمام فرصة للإصلاح والتصحيح، وتصويب الطائف عبر تطبيقه نصاً وروحاً، وإلا، فإن العودة إلى الاستقرار ستكون محالة، وتفتح كل الخيارات وأخطرها، وربما سيؤدي ذلك إلى إجراء جذري يتمثل بحمل اللبنانيين إلى مؤتمر تأسيسي، يصبح معه الطائف من الماضي، وهو ما تخشاه فئات كثيرة، مع الإشارة إلى أن المتابع الدقيق لتصريحات الرئيس ماكرون يستطيع أن يتبين وجود مثل هذا التوجه، في حال بلغت مبادرته الطريق المسدود.
من هنا يبدو أن مصلحة الجميع تكمن في تسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلف الإتيان بتشكيلة تضم اختصاصيين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، على أن يكونوا محصنين بدعم سياسي من القوى الرئيسة، مع التزام واضح منها بعدم معارضة ما تنوي عليه من إصلاحات.
إزاء هذا الواقع، وبحسب بعض المتابعين، لا مصلحة لأي طرف ‐ أقله في المرحلة الراهنة ‐أن يجهر بالوقوف في وجه مبادرة الرئيس الفرنسي، وأن ثمة من يتظاهر بالتعاطي الإيجابي معها، في محاولة لكسب الوقت، معتقداً أن ثمة من ينوب عنه في تخريبها دولياً وعربياً، لأسباب تتصل بالصراع الدولي - الإقليمي، مع الإشارة إلى أن الرئيس ماكرون يعتبر أن لبنان شأن فرنسي داخلي، وهو يرمي من وراء احتضان قضيته، إلى توظيف ما يحققه من نجاح لتعزيز وضعه السياسي والشعبي في بلاده. لذلك هو يتابع مع إدارته يومياً تطورات الوضع مع المسؤولين اللبنانيين.
ولعله صار واضحاً ومُجمعاً عليه أن الرئيس الفرنسي ينوي تحقيق تقدم، بعد تشكيل الحكومة العتيدة على جبهات ثلاث:
‐إصلاح قطاع الكهرباء، حيث يحكى عن تعاون في هذا المجال مع الحكومة الألمانية.
‐الضغط في اتجاه تنفيذ التحقيق المالي الجنائي، موكلاً إلى الفرنسي اللبناني، الخبير المالي الدولي، المصرفي العالمي، والأستاذ الجامعي سمير عساف متابعة هذا الموضوع، نظراً للأهمية التي يعلقها عليه.
‐ إصرار فرنسا على موقع مميز في مرفأ بيروت، ودفعها من أجل التعاطي بجدية مع عرض رجل الأعمال الفرنسي اللبناني رودولف سعادة صاحب شركة CMA-CGM البحرية العملاقة، لإعادة بناء ما تهدم منه وتأهيله.
من هنا، فإن الفرقاء في الداخل سيعدون للعشرة، قبل أن يعمدوا للعرقلة، لأن كلفة ذلك عليهم ستكون ثقيلة وشديدة الوطء.
ولكن ينبغي التنبه لتعقيدات المرحلة وخطورتها، لأن الوضع يبقى عرضة لمزيد من الاهتزاز، وعلى درجة عالية من الحساسية قد تعيد خلط الأوراق، وربما دفع الأمور إلى المجهول. لذلك، فإن ترف العزف على وتر الوقت، ليس متاحاً طويلاً أمام اللبنانيين، هذه المرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"