«لفحة البطاطس»..مجاعة إيرلندية

أزمات مرت
03:44 صباحا
قراءة دقيقتين

الشارقة: مها عادل

دخلت نبتة البطاطس لأول مرة إلى أوروبا قادمة من أمريكا الجنوبية، واستخدمت كنبات زينة في حدائق الأغنياء، ثم بدأ يشيع استخدامها كعلف للمواشي في القرن السابع عشر. وتحولت إلى طعام أساسي للفقراء بسبب قدرة النبات على النمو في مختلف أشكال التربة الفقيرة في مستوى خصوبتها، والتي لا يمكنها إنتاج الحبوب، وبسبب طبيعتها التي تقوم على احتماء الجزء الدرني الذي يؤكل تحت التربة، بحيث لا تتأثر بتقلبات الطقس أصبحت من الثمرات التي يسهل توافرها.

في منتصف القرن التاسع عشر أصيب المحصول في إيرلندا بآفة زراعية خطيرة عرفت باسم «لفحة البطاطس» والتي يسببها نوع نادر من الفطريات، بدأت في الظهور في الحقول القريبة من بلفاست عام 1845، وسرعان ما انتشر المرض في كل إيرلندا وأجزاء من شمال أوروبا، ولكن التأثير في الجزيرة الإيرلندية كان ساحقاً، حيث فسد المحصول بأكمله، وتضور الأهالي من الجوع، وألقى المثقفون باللائمة على الإدارة الإنجليزية للجزيرة، ورددوا مقولة الكاتب جون ميتشل: «أرسلَ الله الآفة الزراعية، وصنعَ الإنجليزُ المجاعة». ووجه الناس أصابع الاتهام للطبقة الأرستقراطية التي تمتلك أراضي إيرلندا والذين جرت تسميتهم «الأرستقراطية الغائبة»، لأنهم يقيمون بعيداً في إنجلترا بينما يتحكمون في أراضي إيرلندا ويمتصون ثرواتها.

وخلال الفترة من 1845 إلى 1852 فقدت إيرلندا حوالي ثلث سكانها في المجاعة، وبلغت نسبة الوفيات بين الأطفال معدلات مرتفعة للغاية ومات حوالي مليون إيرلندي معظمهم من النساء والعجائز الذين استسلموا للموت في عجز وقلة حيلة بسبب نقص الغذاء، بينما اضطر الرجال والشباب القادرون على بذل الجهد والمغامرة للهرب من البلاد والهجرة عبر المحيط الأطلنطي، ويقدر عددهم بحوالي مليون انتقلوا للضفة الأخرى من المحيط وتركزوا في منطقة نيوإنجلاند، التي تضم ولايات مثل ماساتشوسيتس وبنسلفانيا وماريلاند، وكانت مدينة نيويورك صاحبة النصيب الأكبر في استقبال المهاجرين الإيرلنديين، الذين غيروا من شكل التركيبة السكانية للمدينة، وساعدت هذه السواعد الشابة التي تدفقت على المدينة هرباً من المجاعة ببلادهم في ازدهار العديد من الجوانب الاقتصادية بها وتوفير الأيدي العاملة اللازمة للصناعة والتعدين والبناء والتشييد، بينما امتدت أحياء المدينة لتتسع لهذا العدد الكبير من المهاجرين الجدد.

وبعد 7 سنوات تراجعت الآفة الزراعية وبدأت الحياة تعود شيئاً فشيئاً إلى جزيرة إيرلندا الخضراء، ولكن النقص السكاني الذي حدث بها نتيجة المجاعة والهجرة لم يتحسن حتى منتصف القرن العشرين. وما زالت النصب التذكارية لمجاعة البطاطس الكبرى موجودة في مناطق مختلفة من إيرلندا ونيويورك لتذكر الناس بالآفة الزراعية التي أثرت في تاريخ بلدين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"