الحيض (2-2)

01:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

بيّنا في المقال السابق تعريفات الفقهاء للحيض وقلنا بأن المرأة ترفع عنها التكاليف الشرعية في حال الحيض، لأنها غير طاهرة، ومرهقة إلى حد ما، لكن مكانتها في المجتمع تظل كما هي في حال الطهر.
أما ما يتعلق بالحيض والحائض عند الفقهاء فقالوا بأن الحيض علامة البلوغ، والبنت قد تحيض في التاسعة من عمرها، وقد يتأخر إلى ما بعد ذلك، ثم يستمر توقع نزول دم الحيض حتى سن اليأس.
وسن اليأس عند السادة الحنفية 55 سنة كما يذكر ذلك الدكتور وهبة الزحيلي في موسوعته، وعند المالكية سن اليأس 70 سنة، وعند الشافعية 62 سنة في الغالب، وعند الحنابلة سن اليأس 50 سنة.
أقول: وبما أنه لم يرد نص صريح في تحديد سن اليأس، فإن قول الحنابلة ربما يكون أقرب إلى الشرع، لأنهم استندوا إلى حديث عائشة رضي الله عنها: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض»، (رواه أحمد).
وإذا كان الحيض لا ينتظر ممن بلغت سن اليأس، فإن الحامل كذلك لا تحيض عند الحنفية والحنابلة، ودليلهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تحيض، ولا غير ذات حمل حتى تحيض»، (رواه أحمد وأبو داود).
والمالكية والشافعية قالوا بأن الحامل قد تحيض، لأنه دم طبيعة، ودليلهم الآية الكريمة: «ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض»، (الآية: 222 من سورة البقرة) وهذه الآية وردت مطلقة.
هذا ودم الحيض يعرف بألوانه الأربعة عند الفقهاء، وهي السواد والحمرة والصفرة والكدرة، على رأي الجمهور، أما الحنفية فأضافوا لونين آخرين هما الخضرة والتربية.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن مدة الطهر عند المرأة خمسة عشر يوماً على الأقل ولا حد لأكثره.
أما أقل مدة الحيض فمختلف فيها، فالحنفية قالوا بأن أقل مدة ثلاثة أيام ولياليها، والأوسط خمسة، والأكثر عشرة، وبعد ذلك استحاضة.
والمالكية قالوا بأن أقله دفقة أو لا حد لأقله، وأكثره يختلف من امرأة إلى أخرى، لأن الحائض عندهم إما أن تكون مبتدئة فيقدر أقل مدة حيضها بخمسة عشر يوماً، وإما أن تكون معتادة فيقدر بثلاثة أيام، وإما أن تكون حاملاً فيما بعد شهرين، فيقدر أكثر حيضها بعشرين يوماً، وما بعد ستة أشهر يقدر الأكثر بثلاثين يوماً.
وإما أن تكون الحائض مختلطة، كأن ترى الدم متقطعاً والطهر متقطعاً، وفي هذه الحالة تلفق أيام الدم فتعدها حتى تكمل مقدار أكثر من الحيض وهو 15 يوماً.
والتلفيق أن تحسب من أول الحيض حتى 15 يوماً، ولا تحسب أيام الطهر المتقطعة بينهما، وبعد الخمسة عشر لو استمر الدم كانت المرأة مستحاضة.
والشافعية والحنابلة يرون أن أقل مدة الحيض يوم وليلة، وغالبه ستة أو سبعة أيام وأكثره خمسة عشر يوماً بلياليها.
والطهر له علامتان عند الفقهاء هما: جفوف الدم والقصة البيضاء التي هي ماء أبيض رقيق، فمتى حصل ذلك وجب على المرأة أن تغتسل وتعود إلى أداء التكاليف الشرعية، ويجب أن تعلم بأنها تقضي الصيام ولا تقضي الصلوات، وتؤدي جميع شعائر الحج في أثناء العادة الشهرية إلا الطواف، فإنها تنتظر حتى تطهر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «افعلي ما يفعل الحاج غير أنك ما تطوفين بالبيت».
وأما قراءة القرآن الكريم للحائض فإنها محرمة عند الفقهاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن»، (رواه الترمذي).
أما المالكية فقالوا بجواز أن تقرأ القرآن الكريم في حال استرسال الدم، وحجتهم أنها ربما يطول عهدها بعدم قراءة القرآن الكريم.
واتفقوا أيضاً على أنه يجوز لها العبور في المسجد للضرورة.
إذن بعد أن عرفنا أقل مدة الحيض وأكثرها، وجب أن نعرف بأن الدم المسترسل بعد أكثر من مدة الحيض يسمى دم استحاضة، أي أن المرأة لا تتوقف عن أداء تكاليفها الشرعية وكل ما عليها هو أن تتطهر وقت الصلاة كأنها امرأة عادية ثم تصلي كل صلاة في وقتها.
أقول: وقد كثرت أسئلة النساء اليوم عن الدواء المانع لنزول الحيض: هل يجوز للمرأة أن تأخذه أيام الحج أو في رمضان، كي يمكنها أداء شعائر الحج والصيام في أمان؟.
في الواقع أن فقهاء السلف لهم رأي في ذلك، فقالوا بجوازه متى لم يترتب عليه ضرر بالمرأة، وكان ذلك بإذن الزوج، لكن يا ترى لو شربت المرأة الدواء ليتوقف حيضها فتزل الدم قبل وقته، فما حكم ذلك الدم؟
يبدو من أقوال بعض الفقهاء المالكية والأحناف بأنه لو نزل قبل وقته اعتبرت المرأة طاهراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"