«الخطة الفرنسية الألمانية».. خلافات وتخوفات أوروبية

03:15 صباحا
قراءة 5 دقائق

بهاء محمود *

في الوقت الذي تعود فيه الحياة تدريجياً في أوروبا، قدم المحور الألماني الفرنسي خطة لإنقاذ أوروبا من تداعيات كورونا الاقتصادية، تصل قيمة الخطة 500 مليار يورو على هيئة صندوق للنمو، محدود الأهداف تحت ضمان الموازنة الأوروبية المقبلة 2021-2027.
يهدف المقترح الألماني الفرنسي لإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار يورو لمساعدة الاقتصاديات المتعثرة بعد إغلاق الحياة الشهور الماضية، في مقاربة تعتبر بديلاً عن اقتسام الديون الذي طالبت به دول جنوب أوروبا، جوهر الخطة من محاور رئيسية تشمل دعم تدابير الصحة لعموم أوروبا، سرعة التحول نحو الاقتصاد الأخضر والرقمي. الصندوق المقترح يسمح للمفوضية باقتراض قيمة الصندوق من الأسواق المالية، ثم إعادة توجيه الأموال للقطاعات والمناطق الأكثر تضرراً كنوع من عمليات إعادة الإعمار التي تحتاج إليها الدول بعد الكوارث الكبرى.
بجانب تلك الأهداف المالية والاقتصادية، هناك مخرج لمأزق فجوة الشمال والجنوب التي قسمت أوروبا منذ تفشي الوباء إلى فريقين، الأول من الجنوب يعتبر الأكثر ضرراً ومديونية مثل إيطاليا وإسبانيا. الثاني يمثله دول أوروبا الشمالية الأقل تضرراً والأقوى اقتصادياً، في مقدمتها ألمانيا وهولندا والتي عارضت توجهات ومقترحات دول الجنوب. فما كان من إيطاليا وحلفائها سوى التشكيك في جدوى بقاء الاتحاد واتهامه كالعادة بالتخلي عن إيطاليا، هذا الانقسام أثار عدة قضايا على رأسها تأخر التضامن الأوروبي، انغلاق الدول على ذاتها وغلق الحدود، ما دفع البعض للتساؤل: ما الفرق بين القومية عن الشعوبيين وما قامت به الحكومات الوطنية والتي يغلب عليها التيار المحافظ. لذا يمكن فهم أن العمل المشترك بين ألمانيا وفرنسا بني على اعتبارات سياسية لاسيما واختلاف نهج الإصلاح بين الدولتين واضح منذ تولي ماكرون سدة الحكم في فرنسا، كما أن المقترح بدا عبارة عن تنازلات من ألمانيا ومقاربة فرنسية تقترب منطقة اليورو من اتحاد مالي، وحلاً أيضاً يقارب رؤى دول الجنوب لكنه لا يصل لها.


تحديات قريبة


بات جلياً أن المقترح يمنح المفوضية سلطات إدارة الصندوق وليس المجلس الأوروبي أو البرلمان الأوروبي، وهو ما يعني إدارة غير منتخبة وبيروقراطية هي من تدير الأزمة، وتوجه الأموال بحسب رؤيتها. هذا الأمر يتبعه بالضرورة مواجهة شعبوية ترفض تدخل المؤسسات الأوروبية في شؤون دولهم الداخلية. لاسيما أن منح الأموال لن يتم وفق الخطة إلا ضمن نهج مالي متفق عليه وخطط إصلاح اقتصادية، مع الأخذ في الحسبان الدعوات الفرنسية لوقف العمل بعجز الموازنات الأوروبية حتى 2021 حتى تتعافى الدول.
من جانب آخر يلزم أن تعدل المفوضية الأوروبية موازنتها للفترة 2021-2027، بحسب تداعيات وباء كورونا، وكذلك المحافظة على مستوى إنفاق 2020 المعدل بقيم التضخم الحالية والمتوقعة. وهو ما يعني ضرورة توافق قادة الدول جميعاً، في السياق نفسه ضرورة التفاوض مع دول الدنمارك وهولندا والسويد بخصوص مساهماتها، في الوقت الذي على الجميع تعويض مساهمة بريطانيا في الموازنة الأوروبية، هذا على الرغم من صدمات الدخل القومي والناتج الإجمالي التي سوف يعانيها الثلاثة الكبار- بعد استبعاد ألمانيا - فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
التحدي الأهم في مشوار المقترح الفرنسي الألماني، هو مقاومة محور الشمال الأوروبي والذي أبدى تحفظه مبكراً. فبحسب تغريدات المستشار النمساوي «سيباستيان كورز» أن المبادرة الفرنسية الألمانية ستواجه مقاومة من بعض دول الشمال الأوروبي، مؤكداً أنه جرى تواصل مع رؤساء وزراء كل من (الدنمارك - هولندا - السويد) بشأن الاقتراح المتوقع من قبل المفوضية الأوروبية فيما يخص صندوق النمو أو الإنعاش، وكذلك تحديث الموازنة الأوروبية الجديدة. ملخص ما ذهب إليه هذا المحور هو الموافقة على التضامن وليس الموافقة على المقترح مؤكدين أنهم مستعدون لمساعدة البلدان الأكثر تأثراً بأزمة كورونا، فضلاً عن طموحهم في انعكاس الموازنة الأوروبية الجديدة للواقع الحالي بدلاً من رفع الحد الأقصى للموازنة. تفسير موقف محور الشمال عبرت عنه الحكومة الهولندية في قلقها من إضفاء الطابع المؤسسي على تقاسم الديون والمنح غير المشروطة، كون ذلك يعتبر خطراً أخلاقياً في إنقاذ الدول التي فشلت في الاستعداد للأزمة الحالية اقتصادياً.


حدود المسؤولية


الرؤية الشمالية تغافلت عن أمر مهم وهو أن وباء كورونا ليس أزمة اقتصادية مثل الأزمة المالية العالمية في 2008 ولا هو أزمة إدارة اقتصادية غير رشيدة، بل هو ببساطة وباء اجتاح العالم وقادم من الصين ولم يولد في القارة العجوز. وبالتالي ما هي حدود مسؤولية الدول المصابة؟ هل كان المفترض أن تبقي النشاط الاقتصادي مستمراً على حساب أرواح مواطنيها؟، من هنا يبدو أن هناك تنصلاً من تحمل مسؤولية التضامن الأوروبي مع الدولة المتضررة.
في المقابل هناك تخوف قد يضرب بالخطة المقترحة، يكمن في تباين السرعات التي تتعافى بها دول الاتحاد الأوروبي من الوباء يتبنى هذا التخوف رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين، موضحة أن الشركات في الدول الغنية بما في ذلك ألمانيا مُنحت ميزة غير عادلة من خلال تخفيف قواعد المساعدة الحكومية للاتحاد الأوروبي، وهو ما يطرح تساؤلاً عن مدى نزاهة الجانب الألماني شريك فرنسا في الخطة. وذلك في ظل قيام المحكمة الدستورية الألمانية بفتح الباب أمام الطعون القانونية ضد برامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات الكبيرة. مما يعني أن أكبر أداة مالية في أوروبا للتعامل مع تداعيات وباء كورونا، يمكن أن تبقى غير متاحة، مما يصب أيضاً في تعميق الأزمة بين الشمال والجنوب لو تم رفض المقترح الحالي، مع العلم أن ألمانيا تاريخياً لم تدير الأزمات على حساب مصالحها الاقتصادية، بل من الأزمات الكبرى تخرج ألمانيا أقوى. كما أن على ألمانيا حسم مواجهة داخلية وخارجية، الأولى هي قدرتها على إسكات غضب الناخبين الشعوبيين على المدى القريب، والثانية هي رغبة ألمانيا في تقديم التنازلات على المدى القصير مقابل حفظ كيان هي الأكثر استفادة منه.


سيناريوهات محتملة


هذا المشهد وحتى عقد المجلس الأوروبي اجتماعه في شهر يونيو/ حزيران القادم، يخلف وراءه عدة سيناريوهات متوقعة ترسم مستقبل التضامن الأوروبي وتحسم مصير الخطة الفرنسية الألمانية المقترحة. البداية تأتي من طرح قدمه عضو البرلمان الأوروبي الإسباني «لويس جاريكانو»، والذي يفترض فشل المحور الألماني الفرنسي في الحصول على موافقة الدول ال25 الأعضاء الآخرين، ومن ثم قيام فرنسا وألمانيا بالاعتراف بفشلهما في القيام بصفقة ترضي الجميع. ومن ثم الإعلان عن صفقات ثنائية مع الدول المتضررة حتى تستجيب بقية الدول الأخرى.
السيناريو الثاني هو استمرار الاختلاف مدة طويلة على خلفية الاختلاف على الموازنة الأوروبية، وبالتالي بقاء الوضع كما هو عليه، سيناريو آخر مبني على إدراك الخطورة المحيطة بالاتحاد الأوروبي ومن ثم الموافقة على الخطة الفرنسية الألمانية أو تعديلها كي يرضي الجميع.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"