ملفات خليجية

من يوميات عام «كورونا» (11)
03:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. يوسف الحسن

ثمة حقيقة لم يعد في وسع أحد القفز فوقها، ألا وهي، أن مجتمعاتنا العربية بعامة، والخليجية العربية بخاصة، قد تعرضت بفعل جائحة «كورونا» إلى هزة عنيفة، في النظم والمؤسسات والبنى التحتية والاقتصاد، والتعليم، وفي نسيج «العقد الاجتماعي» بصوره وأشكاله المتنوعة.
هي ليست مجرد هزة أو حتى زلزال أو فقاعة في مسيرة التاريخ، ولا حتى حرباً، إنها منعطف وتبدل عميق، له آثاره على المدى الطويل ويشي بأنه سيفرض نفسه، من الآن، على كافة الصعد، داخلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً.
داخلياً، نحتاج إلى التفكر العميق في إعادة شحن «بطارية» المؤسسات الاتحادية، وتفعيل أدوارها وابتكار آليات عصرية جديدة لعملها، ولدورها في تعبئة جهود عامة المواطنين في زيادة الإنتاجية، والمشاركة الشعبية في أعباء التنمية الشاملة.
كما نحتاج إلى إعمال الفكر العلمي، لتطوير التعليم ومراكز البحث، وبدرجة أكبر من النجاح والفعالية،
ومراجعة فلسفة العمل الطبي، والتعليم الطبي في مجالاته التطبيقية المختلفة، مما يجعله أكثر انضباطاً مع الخدمة والمصلحة العامة، وتوطين تقنياته وخدماته، وتراكمه المعرفي.
نعم، لا خلاف على أن «فاتورة» جائحة «كورونا» ستكون عالية وغير مسبوقة في العصر الحديث، وأن ركوداً اقتصادياً كبيراً، سيطال- بمعدلات متفاوتة- كل دول العالم.. وأن حجم الخسائر البشرية أيضاً ستكون عالية، وكذلك حجم تصدع الشركات، ودخول عشرات الملايين من البشر إلى البطالة.
الإغلاق- إذا طال- مغامرة خطرة للاقتصاد، ولشرايين العولمة، لكن أيضاً «الفتح» هو مغامرة خطرة قد تؤدي إلى تصاعد عدد الضحايا، وبخاصة إذا كانت هناك موجة ثانية من هذا الوباء.
قرارات صعبة يتوجب اتخاذها للحاضر وللمستقبل... وهنا نذّكر بأن لائحة الأبطال يجب أن لا تضم فقط الأطباء والممرضين وقوى أمنية متنوعة مساعدة في حماية الناس من هذا الوحش المجهول؛ بل هناك أيضاً جنوداً مجهولون منغمسون في مسائل إنقاذ الاقتصاد ومؤسساته ومجتمعه من الانهيار أو التصدع، يفككون ألغازاً مالية وأرقاماً، ويعالجون ثغرات هنا وهناك، ويبحثون عن مخارج وحلول، ويدرسون تجارب دولية راهنة، ويسهمون في صناعة قرارات «الإغلاق والفتح» والإنقاذ.
وتواجه دول الخليج العربية، تحديات جمة، إن على مستوى سياسات حماية المؤسسات الاقتصادية والعاملين فيها، أو على مستوى تطوير أنظمة حماية اجتماعية ورعاية صحية، وتوفير الغذاء والدواء، مما يتطلب إنفاقاً متزايداً في مرحلة مالية واقتصادية صعبة، وبخاصة النشاطات الإنتاجية الأساسية، فضلاً عن تعثر في آليات العمل الخليجي المشترك، وفي ظل أزمات ممتدة، في أنحاء الوطن العربي وفي إقليم الخليج.
في الإمارات ما «يربي الأمل» حينما تشدد على أهمية حشد جميع العقول والخبرات المحلية والعربية والدولية، لرسم استراتيجية لمرحلة ما بعد «كورونا»؛ بحيث تكون سلامة وأمن ورفاه العنصر البشري، وبنائه النفسي والصحي، أساساً لهذه الاستراتيجية، فضلاً عن الحاجة إلى تقليل الاعتماد اقتصادياً على الخارج، بالتركيز على إنتاج احتياجاتنا الداخلية بما يحقق الاكتفاء الذاتي.
وليس ترفاً فكرياً أن نرفع صوتنا، لندعو إلى ضرورة فرض منظومة جديدة للعلاقات والتعاون المشترك في إقليم الخليج العربي تكون قادرة على توفير أكبر قدر من التعاضد والاستقرار في مواجهة الأزمات الكبيرة، من أوبئة، وتلوث بيئي وتغير مناخي، وأمن غذائي ومائي، وكبح لجماح الاحتكارات الدولية، وفلتان المصالح الفردية الضيقة.
وماذا، لو أعدنا النظر في ملفات العمل الخليجي المشترك، لتكون أكثر تماسكاً ونفعاً للجميع؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"