أمراض المناعة الذاتية تهاجم الجسم بوحشية

01:13 صباحا
قراءة 6 دقائق


تتمثل وظيفة الجهاز المناعي في المحافظة على الجسم من دخول أي كائن غريب؛ كالفيروسات والجراثيم أو الطفيليات، كما أن وظيفته التغلب على الأمراض الداخلية؛ كنشوء خلية سرطانية وغيرها. ويعرف الجهاز المناعي الخلية السرطانية بأنها خلية غريبة أو هي عبارة عن جسم غاز، وبالتالي تكون مهمته أن يقضي على مثل هذه الخلية، و يؤدي حدوث خلل في وظيفة الجهاز المناعي إلى الإصابة بما يُعرف بأمراض المناعة الذاتية، والتي تعرف بأنها اضطراب يتسبب في مهاجمة المناعة للجسم بطريق الخطأ؛ وذلك بدلاً من القيام بوظيفته الأساسي.
يحارب الجهاز المناعي أعضاء الجسم، كالبشرة والمفاصل أو أي عضو آخر، ويتعامل معها على أنها جسم غريب عليه أن يتصدى لها، ويطلق عليها ما يُعرف بالأجسام المضادة التي تهاجم الخلايا السليمة.
ويجهل السبب وراء هذه الاضطرابات، غير أن بعض الباحثين يرجعون هذا الأمر إلى أن هناك بعض البكتيريا والفيروسات وراء حدوث هذه التغييرات التي تربك جهاز المناعة.
ونتناول في هذا الموضوع أمراض المناعة الذاتية، مع بيان المشاكل الصحية التي تسببها، ونقدم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذا الخلل، وطرق الوقاية الممكنة، وأساليب العلاج المتبعة والحديثة.


80 مرضاً


تشير الدراسات والأبحاث إلى أن هناك نحو 80 من الأمراض المعروفة تصنف على أنها من أمراض المناعة الذاتية، إضافة إلى عدد آخر يشتبه في أن له خلفية مناعية ذاتية.
وتنتشر أغلب أمراض المناعة الذاتية بين النساء أكثر من الرجال، ووفقاً للإحصاءات فإن النسبة تراوح من 1 إلى 2، وحتى 1 إلى 10.
ويمكن تفسير ذلك بأن الجهاز المناعي لدى النساء أقوى من نظيره لدى الرجال، وبالتالي فإن إصابة الجهاز الأقوى بالخلل يترتب عليه ضرر أكبر، عندما يهاجم أنسجة الجسم.
وأظهرت نتائج إحدى الدراسات الحديثة أن من بين 32 مرضاً من أمراض المناعة الذاتية تحتل النساء نسبة الإصابة بنحو 18 مرضاً؛ أي 60% أكثر من الرجال. ويلاحظ أن هذه المشاكل الصحية تختلف في آلية الإمراض، فجزء منها يحدث نتيجة الضرر والهجوم الذاتي من خلال المضادات الذاتية، في حين أن الجزء الآخر يعتمد على الخلايا.


الغدة الدرقية


تشمل قائمة أمراض المناعة الذاتية التهاب الغدة الدرقية؛ حيث يهاجم جهاز المناعة خلايا الغدة مصيباً إياها بالالتهاب. وتتوقف بالتالي الغدة عن إفراز هرموناتها، وهذا المرض من أكثر الأسباب انتشاراً في الإصابة بقصور الغدة الدرقية.
ويهاجم جهاز المناعة أيضاً الغدة الدرقية في مرض جريفز، وهو ما يتسبب في نموها وفرط نشاطها، وبالتالي تفرز المزيد من الهرمونات، ويؤدي هذا إلى بعض الأعراض؛ مثل: تضخم الغدة وانتفاخ العينين والتوتر وفقدان الوزن.
وتعد الذئبة الحمراء كذلك من أمراض المناعة الذاتية؛ حيث من الممكن أن تصيب أي عضو في الجسم.
يظهر المرض بأشكال متنوعة، كأن يكون على صورة طفح جلدي، أو التهاب في الكلى، أو اضطرابات نفسية وعصبية.
المفاصل الروماتويدي
يلي ذلك التهاب المفاصل الروماتويدي؛ حيث يهاجم جهاز المناعة المفاصل مسبباً التهابها، وزيادة سمك الأنسجة داخلها.
ويؤدي هذا إلى أن تتورم المفاصل وتصيب المريض بالألم، وتكون الغضاريف والأنسجة التي تتغطى عرضة للتلف في الحالات التي تتفاقم فيها؛ بل يمتد الأمر أحياناً إلى العظام.
ويصنف مرض السكري من النوع الأول ضمن أمراض المناعة الذاتية؛ لأن جهاز المناعة يهاجم خلايا البنكرياس التي تنتج الأنسولين، وبالتالي يرتفع معدل السكر في الدم.


عوامل خطر


يشير الأطباء إلى أن الجميع قد يتعرضون للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، إلا أن هناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بها.
وتشمل هذه العوامل: وجود تاريخ عائلي للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وهو الأمر الذي يجعل فرصة الإصابة بها أعلى، ومن الممكن أن يصاب أفراد العائلة الواحدة بنفس المرض، وأحياناً يختلف المرض من شخص لآخر.
ويزيد من خطر الإصابة بهذه الأمراض دخول أي كائن حيوي غريب إلى الجسم، كالبكتيريا والمضادات الحيوية؛ وذلك لأنها لا تعد جزءاً من النظام العادي، وتعد هذه الكائنات من عوامل البيئة التي تحفز الاستجابة للمناعة الذاتية.
ميكروبيوم الأمعاء
يتسبب خلل توازن ميكروبيوم الأمعاء في تحفيز المناعة الذاتية، ويقصد بالميكروبيوم الكائنات الدقيقة الحية التي تجتمع في الأمعاء.
وتعد هذه الكائنات الدقيقة مهمة لتطور الجهاز المناعي، وتوفر هذه الكائنات وظيفة مناعية للجسم، وبسبب عوامل البيئة أو الجينات فإن الميكروبيوم يدافع عن نفسه ضد الجهاز المناعي.
ويعتقد بعض الباحثين أن النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة والأملاح يرتبط بزيادة معدل الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.
ويزيد خطر الإصابة بهذه الأمراض؛ بسبب النوع؛ حيث تنتشر بشكل أكبر بين النساء، ويرى بعض الباحثين أن هرمونات الأندروجينات الذكرية تلعب دوراً وقائياً، في حين أن هرمون الإستروجين الأنثوي يعمل كجاذب للعدوى الذاتية.


بحسب الاضطراب


يشكو من يصاب بأمراض المناعة الذاتية عدداً من الأعراض، والتي تختلف بحسب الاضطراب، والجزء الذي أصيب من الجسم.
وتؤثر اضطرابات المناعة الذاتية في بعض أنسجة الجسم التي تنتشر في مختلف أنحائه، كالجلد والغضاريف والأوعية الدموية، ومن الممكن أن يكون التأثير قاصراً على عضو معين في الجسم.
ويتعرض أي عضو في الجسم بصفة عامة للإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية، بما في ذلك الدماغ والقلب إضافة إلى الرئتين والكليتين.


أعراض المرض


تتشابه أعراض الكثير من أمراض المناعة الذاتية في بدايتها؛ حـــيث يعاني المصاب الإرهاق وحمى بسيطة وانتفــاخ والتهاب الجلد وإحمراره، إلى جانب شعور بالتنميل في اليدين والقدمين.
ويمكن أن يتسبب الالتهاب أو الضرر الذي يصيب الأنسجة في شعور المريض بالألم وتشوه المفاصل، والضعف والحكة واليرقان وصعوبة التنفس، وتراكم السوائل والهذيان، وفي بعض الحالات يصل الأمر للوفاة.
وتوجد بعض أمراض المناعة الذاتية التي يكون لها أعراض مميزة، كالتعب وفقدان الوزن والعطش الشديد؛ وذلك عند الإصابة بالنوع الأول من داء السكري، والانتفاخ والإسهال وآلام البطن عند الإصابة بداء الأمعاء الالتهابي.


اختبارات دموية


يعتمد تشخيص أمراض المناعة الذاتية على إجراء اختبارات دموية؛ للكشف عن أي التهاب، والذي يشير بالتبعية إلى اضطراب مناعة ذاتية، إضافة إلى تقييم الطبيب.
وتتضمن هذه الاختبارات معدل تثفل الكريات الحمراء، ومن خلاله يقيس الطبيب مدى سرعة استقرار الكريات في الجزء السفلي من أنبوب الاختبار.
ويشير في الأغلب ارتفاع معدل تثفل الكريات الحمراء إلى أن هناك التهاباً؛ لأن البروتينات التي يتم إنتاجها بسبب الالتهاب تؤدي إلى أن كريات الدم الحمراء تفقد قدرتها على البقاء معلقة.
ويقيس الطبيب بإجراء تعداد الدم الكامل وعدد كريات الدم الحمراء، والذي في كثير من المصابين ينخفض، مما يعرف بفقر الدم؛ لأن الالتهاب يتسبب في تدني إنتاج الكريات الحمراء.


نمط الحياة


تهدف الأدوية التي يصفها الطبيب المعالج للمصابين بأمراض المناعة الذاتية إلى التحكم في الاستجابة المناعية الزائدة، والسيطرة على الالتهاب، مع ملاحظة أنها لا تعالج هذا الخلل.
ويأتي على رأس قائمة هذه الأدوية؛ الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية، وتليها الأدوية التي تقلل من الردود المناعية، كما أن هناك علاجات لتقليل حدة بعض الأعراض كالطفح الجلدي والإرهاق والتورم والألم.
ويمكن أن يساعد الالتزام بنمط حياة صحي في شعور المصاب بالتحسن، والذي يشمل تناول غذاء متوازن وممارسة الرياضة.


تعافي البعض


وتوجد بعض الأمراض التي يمكن التعافي منها، كالأمراض الروماتيزمية، في حين أن أمراض كالسكري يكون الهدف من العلاج، إخماد نشاط المرض، والقضاء على الأعراض.
وتساعد هذه العقاقير المريض على ممارسة حياته بصورة طبيعية؛ حيث يخضع لمتابعة الطبيب، والذي يحدد الجرعة بحسب تحسن الحالة والاستجابة للعلاج.
وينصح الطبيب بالتوقف عن تناول العقاقير إذا خمدت الأعراض لفترة من الزمن، مع مراقبة المريض وإجراء الفحوص والاختبارات على فترات زمنية متباعدة.


الصوم مفيد


خلصت دراسة حديثة إلى أن الصوم عن الطعام لفترة معينة أو تقليل السعرات الحرارية يعد مفيداً للغاية؛ حيث يسمح بتجديد الخلايا وإمداد الجسم بالعديد من الفوائد.
وأثبتت الدراسة أن الصوم وتقليل السعرات الحرارية من الممكن أن يسهما في مقاومة أعراض أمراض المناعة الذاتية.
وتبين أن تناول وجبات تحتوي على كميات من السعرات الحرارية المحدودة يساعد في تقليل أعراض مرض التصلب العصبي المتعدد. ويفرز الجسم مادة الكورتيزون عندما يتناول الشخص وجبات بحسب نظام معين شبيه بالصوم، وتقتل هذه المادة خلايا المناعة الذاتية، ومن الممكن أن تتسبب هذه العملية في تكوين خلايا سليمة.
وتوصل القائمون على الدراسة إلى نظام غذائي يحد من استهلاك السعرات الحرارية بواقع النصف على مدار ثلاثة أيام أسبوعياً.
وأثبتت النتائج الأولية - والتي أجريت على الفئران أو البشر - أن النظام الغذائي أمكنه تقليل أعراض ناجمة عن أمراض المناعة الذاتية بشكل كبير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"