فنزويلا وأمريكا.. خيارات على الطاولة

03:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. صدفة محمد محمود *

في الثالث من مايو/ أيار الجاري، أعلنت فنزويلا عن اعتقالها 17 شخصاً، وقتل ثمانية مهاجمين آخرين، بزعم أنهم جزء من قوة غزو، قبالة الساحل مباشرة، على بُعد نحو 40 دقيقة من العاصمة الفنزويلية، كاراكاس. ونشرت السلطات الفنزويلية صوراً تظهر اعتقال مواطنين أمريكيين بزعم تورطهما في محاولة انقلاب ضد الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو.
وفقاً للمزاعم الفنزويلية، فإن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يقف وراء الهجوم الذي كان يستهدف كاراكاس، حيث ادعى الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، أن الرئيس الأمريكي تعاقد مع «جوردان جودرو»، وهو أحد الجنود السابقين في الجيش الأمريكي، ومؤسس شركة أمن خاصة، لتدريب قوة المرتزقة التي كانت تهدف إلى السيطرة على المطار الدولي في كاراكاس، واعتقال الرئيس مادورو، ونقله إلى الولايات المتحدة.
ووصف مادورو الغارة بأنها «إعادة لغزو خليج الخنازير» عام 1961، التي كانت محاولة فاشلة من جانب القوات التي دربتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من الكوبيين المنفيين لغزو جنوب كوبا، والإطاحة بالزعيم الكوبي، فيدل كاسترو.


جولة جديدة من المواجهة


وبالرغم من نفي الرئيس الأمريكي أي تورط لإدارته في المهمة، متهماً مادورو بشن «حملة تضليل» ضد الولايات المتحدة، فمن الواضح أن هذه المحاولة الفاشلة للإطاحة بالرئيس الفنزويلي ما هي إلا جولة جديدة من المواجهة الفنزويلية- الأمريكية التي تشهد حالة من التصعيد المتواصل منذ تولي الرئيس الأمريكي مهام منصبه عام 2017. ومما يؤكد ذلك، إصرار الإدارة الأمريكية على التأكيد على لسان كبار مسؤوليها مراراً، وتكراراً، على إن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة»، في ما يتعلق بالأزمة الفنزويلية.
وشهدت الفترة الأخيرة، ضغوطاً أمريكية متزايدة على نظام الرئيس مادورو، في إطار استراتيجية الضغط الأقصى التي تمارسها إدارة الرئيس ترامب، حيث سبق أن وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات لمادورو، ونحو 13 من كبار المسؤولين في حكومته بتهريب المخدرات، وعرضت مكافآت مقابل القبض عليهم. ولم تكتف واشنطن بذلك، بل إنها سعت إلى تكثيف ضغوطها على فنزويلا، من خلال نشرها في أوائل شهر إبريل/ نيسان الماضي، سفناً حربية في البحر الكاريبي، وشرق المحيط الهادئ لمنع المنظمات الإجرامية من استغلال جائحة فيروس كورونا في تنفيذ عمليات تهريب للمخدرات من، وإلى فنزويلا.
وبالتزامن مع ذلك، أعلنت واشنطن في مارس/ آذار الماضي، «إطار الانتقال الديمقراطي لفنزويلا»، الذي يتضمن تشكيل حكومة انتقالية من دون نيكولاس مادورو، وزعيم المعارضة الفنزويلية خوان جوايدو، تكون مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد حتى إجراء انتخابات عامة جديدة، في مقابل رفع العقوبات عن فنزويلا، هو ما يُمثّل محاولة لإحداث مزيد من الارتباك والانشقاق بين مؤيدي النظام الحاكم.


انسداد أفق المصالحة


كانت محاولة الغزو الفاشلة لفنزويلا، فرصة جيدة للحكومة الاشتراكية لتوجيه الاتهامات للمعارضة بالتواطؤ مع الولايات المتحدة، وسيحاول مادورو استخدام هذا التوغل لتشويه صورة زعيم المعارضة خوان جوايدو، واتهامه، ومؤيديه، بأنهم «دمى» تابعون للولايات المتحدة، برغم نفي جوايدو تورطه في محاولة الغزو الفاشلة.
في هذا السياق، زعم النائب العام الفنزويلي طارق وليام صعب، عقب هذه العملية، إن زعيم المعارضة، خوان جوايدو، المدعوم من الولايات المتحدة، وأكثر من 50 دولة، وقع عقداً بقيمة 212 مليون دولار مع «المرتزقة المستأجرين»، باستخدام الأموال التي استولت عليها الولايات المتحدة من شركة النفط الحكومية الفنزويلية.
ولا تؤدي هذه الأوضاع سوى إلى مزيد من الانقسام السياسي في البلاد، وتضيع أي فرصة للتوصل إلى اتفاق بين الحكومة، والمعارضة، من أجل حل الأزمة السياسية المتفاقمة في فنزويلا بالطرق السلمية. ومن خلال تلويح الإدارة الأمريكية بالتدخل العسكري في فنزويلا كخيار مقبول لحل الأزمة، فمن المحتمل أن يقوض ذلك رغبة عناصر المعارضة المتشددة في التفاوض، بينما يسمح في الوقت نفسه لمادورو بحشد الدعم لمصلحته، وتعزيز مكانته في الداخل.


استغلال المحاولة


في ظل إعلان السلطات الفنزويلية إلقاء القبض على بعض الجنود، الذين كانوا من عناصر القوات الخاصة الأمريكية، فمن المتوقع أن تكون هناك مفاوضات بشأن إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين المعتقلين في فنزويلا، وإن كان من المرجح أن يتم ذلك عبر قنوات غير مباشرة، بعدما قطعت الإدارة الأمريكية العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا في يناير/ كانون الثاني، من العام الماضي.
ومن المرجح أن يحاول الرئيس الفنزويلي، استغلال هذا الموقف، من أجل شن حملة دعاية مضادة للولايات المتحدة من جهة، خاصة أن هذه الأحداث وقعت في الوقت الذي وردت فيه أخبار تفيد بوقوع عشرات القتلى، والجرحى، في أعمال شغب في أحد السجون الفنزويلية. ووفقاً لتصريحات المسؤولين الأمريكيين، فإن الرئيس مادورو يحاول استغلال هذه الأحداث لتبرير قمعه للمعارضة الفنزويلية.
ومن جهة أخرى، سوف يعمل الرئيس الفنزويلي على الاستفادة القصوى من محاولة الغزو الفاشلة في تحقيق مكاسب اقتصادية، وسياسية، قد يكون من بينها تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على فنزويلا. في غضون ذلك، أعلن مادورو أن بلاده تعتزم إرسال تقرير حول محاولة الغزو البحري لكاراكاس إلى «لاهاي»، لضمها إلى الدعوى القضائية الموجودة في المحكمة الجنائية الدولية ضد الولايات المتحدة.


مزيد من الضغوط


من الواضح أن المحاولات المستمرة التي يقوم بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب للإطاحة بمادورو، تخدم بشكل أساسي هدفه الأساسي، المتمثل في إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة في الانتخابات المقرر أن تُجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهو من خلال ممارسته ضغوطاً متواصلة على الرئيس الفنزويلي، يحاول حشد أصوات الناخبين الأمريكيين الذين ينحدرون من أصول لاتينية في ولاية فلوريدا الأمريكية، التي تعد من الولايات المهمة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
على الجانب الآخر، لم يفوت أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأمريكي الفرصة لمطالبة مسؤولي إدارة الرئيس ترامب، بالكشف عن معلومات عما إذا كانت الولايات المتحدة قدمت أي مساعدة للهجوم الفاشل. وقد صرح بعض أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ بأن دعم العملية العسكرية ينتهك قانون VERDAD، الذي ينص على أن سياسة الولايات المتحدة هي الانخراط دبلوماسياً للمضي قدما في حل تفاوضي للأزمة في فنزويلا.
وختاماً يمكن القول إن المحاولات الأمريكية للإطاحة بالرئيس مادورو لن تتوقف في المستقبل، ولن يتردد الرئيس الأمريكي في استغلال أي فرصة لتحقيق هذا الهدف، ما يزيد من تفاقم الأوضاع المتدهورة بالفعل داخل فنزويلا، ويفرض مزيداً من الضغوط على المواطنين الفنزويليين.

* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"