لبنان.. التظاهرات تعود رغم «كورونا»

01:55 صباحا
قراءة 4 دقائق

بيروت - رامي كفوري

ما إن أعلنت الحكومة اللبنانية عن إجراءاتها الجديدة بالتخفيف من القيود التي فرضتها على المواطنين لمحاصرة جائحة كورونا وتداعياتها، تمهيداً للخروج من الحال الاستثنائية التي فرضها هذا الوباء الفتاك، حتى عاد الشارع إلى التحرك في محاولة لاستيلاد انتفاضة شبيهة بتلك التي بدأت في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2019.
التحرك الجماهيري الجديد في لبنان كان مغايراً لما حدث في 17 أكتوبر الماضي، وأحدث «نقزة» لدى السياسيين على اختلاف تموضعهم، لأنه انطوى على محاذير ومخاطر جادة على الاستقرار العام في البلاد بعدما تبين أن ثمة من يريد لهذا التحرك أن يتخطى أهدافه المعلنة إلى ما هو أبعد من ذلك، كونه طاول مصالح الناس وممتلكاتهم، واستهدف المصارف وفروعها بأعمال تخريب لا يمكن أن تصب في خانة تحقيق الأهداف المعلنة. والأخطر أن التحركات في العاصمة الثانية طرابلس انصبت ضد وحدات الجيش وقوى الأمن وتسببت في وقوع قتيل وعشرات الجرحى وإحراق آليات في عنف غير مبرر، استخدمت فيه قنابل «المولوتوف» الحارقة والحجارة والآلات الحادة التي كانت قد استقدمت لتكسير واجهات المصارف وتحطيم الصرافات الآلية. كما أحرقت العديد من هذه المصارف في استهدافات متعمدة على «الهوية». وقد انسحبت هذه المواجهات على بلدات في البقاع الغربي وبيروت وصيدا بوتيرة أخف، ما حدا إلى طرح الأسئلة حول الغرض من وراء هذا المنحى، وهل أن التخريب الحاصل كان موحى به، أو وليد اللحظة، ومن هو المحرض على كل ذلك؟ وهل أن هذا العنف المفرط يخدم مطالب الجياع، والناقمين على الأحوال المتدهورة، والتردي المالي في ظل تهاوي سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي، والغلاء غير المسبوق للسلع الاستهلاكية ولاسيما الغذائية منها.


تحذيرات من الجيش


لقد رصد الجيش اللبناني وجود مجموعات تخريبية وراء هذه الأعمال التي كانت موضع إدانة واسعة، وباتت لديه لوائح بأسمائهم، وشرع بملاحقتهم وتوقيفهم للتحقيق معهم ومعرفة الجهات التي دفعت بهم إلى الشارع، وقد تلقت المرجعيات السياسية من قيادة الجيش تحذيرات من استمرار هذا السلوك وما قد يخلفه من تداعيات، فسارعت إلى إصدار مواقف منددة بالعنف الذي واكب حركة الاعتراض، وحذرت من وجود مندسين فيها لحرفها عن مسارها.
إضافة إلى ذلك، فإن عدداً من السفارات الغربية، وخصوصاً السفارة الأمريكية في بيروت التي اتهمت من قبل بعض الأطراف بأنها تحرض على قيام حركة احتجاج واسعة وتحشد لها سياسياً وإعلامياً وتوفر لها مدداً مالياً ولوجستياً، بادرت إلى التنديد بالعنف، لا سيما ذاك الذي طاول المصارف، لأن ذلك سيؤدي إلى تعكير السلم الأهلي.


توظيف سياسي


وفي تقييم للتحركات الشعبية المستجدة فإن المراقبين يرون أن هذه التحركات كانت، ولا تزال تفتقر إلى الزخم الشعبي لأسباب عدة، منها الحذر من جائحة «كورونا»، الذي يعادله، هذه المرة، الحذر من التوظيف السياسي لمعاناة الناس، وتوسله بخلط الأوراق وقلب الطاولة على الرئيس حسان دياب وحكومته، خصوصاً أن لدى اللبنانيين قناعة بأن هذه الحكومة تحمل على منكبيها، وهي بالكاد بلغت الشهر الثالث من عمرها، أعباء تراكمات المرحلة السابقة وأخطائها التي يتقاسم مسؤوليتها معظم الأطراف الذين توالوا على حكم البلاد، كلٌ بحسب حجمه السياسي. ولعل إصرار الرئيس دياب، وثباته في مواجهة ما يتعرض له من ضغط مكثف، شكل صدمة غير متوقعة، بعدما اتضح أنه من الإجحاف حصر المسؤولية بحكومته، وعدم منحها ما تستحق من فرصة. إضافة إلى ذلك، فإن ثمة نقمة شعبية على أداء مصرف لبنان والمصارف اللبنانية في ظل الخوف على مصير ودائعهم، والعراقيل الموضوعة في وجه السحوبات العائدة لهم، وسط أخبار مؤكدة عن تهريب ودائع بمليارات الدولارات إلى الخارج وفق خطة ممنهجة، لذلك بدا أن هناك فرملة تلقائية للتحركات، وهي فرملة ترافقت أيضاً مع خطة الإصلاح الإنقاذية التي أطلقتها الحكومة، وتوقيع رئيس الحكومة ووزير المالية طلب مساعدة «صندوق النقد الدولي»، وقيام الرئيس دياب بمكاشفة الناس ومصارحتهم، مما أوجد تعاطفاً مع الحكومة، ولكنه تعاطف مشروط بمدى قدرتها على المضي في ما وعدت وتعد به، والتغلب على مواقف أصحاب المصارف الذين أعلنوا عبر جمعيتهم رفضهم للخطة.


إجراءات علاجية


إن كل هذه المعطيات ستحدد شكل التحركات الشعبية في المستقبل القريب ووجهتها، بمعنى هل ستساعد هذه التحركات على ملاحقة الفاسدين وناهبي المال العام، والمتلاعبين بأسعار العملة في الأسواق السوداء، أو أنها تقع ضحية «أجندات» سياسية، فتستخدم كصندوق بريد يراد منه إيصال الرسائل في هذا الاتجاه أو ذاك؟
ويتوقع المراقبون أن تؤدي الخطة الاقتصادية والمالية التي وضعتها الحكومة إلى قيام «سوق عكاظ» سياسية وإعلامية تتواكب مع تحركات على الأرض، يدعو إليها معارضو الحكومة، خصوصاً من لم يهضم منهم وجود دياب الآتي من خارج نادي رؤساء مجالس الوزراء، ومن يرى أن الرئيس ميشال عون لن يحقق نجاحاً يذكر في ما تبقى له من ولايته، ومن يعتبر أن مصالحه داخل الدولة وخارجها ستكون مهددة. كما أن هناك شرائح أخرى تعتبر أن مكتسباتها العائدة إليها ستكون في خطر مثل رواتب المتقاعدين، لا سيما في الأسلاك العسكرية، ونقابات المهن الحرة المتوجسة من اقتطاع يطاول ودائعها ومدخرات صناديقها، وهناك من هم حذرون من متطلبات صندوق النقد، عدا الخائفين من تداعيات التحرير الفوري لسعر صرف الليرة، وهذا ما يحتم على الحكومة أن تواصل شرح نقاط خطتها التي لاقت ترحيباً مبدئيا واضحاً من واشنطن وباريس والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، لأن لا شفاء للجسم اللبناني العليل من دون إجراءات علاجية صادمة، على ما يقول المراقبون.
وفي انتظار أن يتبلور المشهد من كل زواياه، ستستمر التحركات، وسيكون من الصعب تحديد حجمها ووجهتها، ولكن هذه المرة لن يفسح الجيش مجالاً للمضي في أعمال تخريبية وقطع الطرقات، وتحطيم الممتلكات العامة والخاصة وإحراقها. فهذا خط أحمر لا محيد عنه، أما التظاهر في الساحات الكبرى، فسيكون مباحاً، وكذلك الاحتشاد والاعتصام والدعوة إلى الإضرابات، بما يعني أن الاعتراضات ستجري بوتيرة مختلفة عن السابق، لكنها قد تكبر بعد التأكد من انحسار الوباء. وفي نهاية المطاف سيكون سلوك الحكومة هو البوصلة، إذ هل ستحقق المطلوب منها ويلقى قبولاً فتنطوي صفحة الانتفاضة الثانية؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"