هوس التطهير.. يهدد سلامة العائلات

المبالغة في تعقيم المنزل خطر
03:27 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: مها عادل

في ظل سيطرة كورونا على تفاصيل حياتنا، تبدو سبل التعقيم وسوائل التطهير ضرورة من ضرورات الحياة للوقاية من الفيروس ومواجهته، ولكن مثل أي شيء في الحياة قد تأتي المبالغة بنتائج سلبية، خاصة أن المعقمات والمطهرات في النهاية هي مواد كيماوية، يجب التعامل معها بحذر، والاهتمام بتحري مصدر المعلومات عنها وكيفية استخدامها وضرورة اللجوء إلى نصائح المختصين حولها، وعدم اللجوء إلى خلطها بمواد أخرى إمعاناً في زيادة التطهير، في حين أنها قد تسبب تفاعلات كيميائية وأضراراً صحية جسيمة، قد تهدد حياة الإنسان وتتحول إلى عامل خطر بدلاً من كونها عنصر أمان.
وفي هذه السطور سنتعرف إلى تجارب البعض ممن أساؤوا استخدام المواد المطهرة، أو أفرطوا في استعمالها للحد الذي هدد سلامتهم.
تحدثنا فريدة هاشم موظفة في الشارقة عن تجربتها وتقول: «أرادت ابنتي الكبرى المشاركة في حالة التعقيم التي نفرضها على المنزل، ولأنها تعاني الوسوسة في النظافة في الظروف العادية، فقد بالغت قليلاً في استخدام الكلور للقضاء على الفيروس. ورغبة منها في الإمعان في التعقيم قامت بمسح أرضية المنزل بزجاجة كاملة من الكلور غير المخفف جيداً، وللأسف كانت النتيجة سلبية تماماً، حيث تسبب لنا جميعاً في صعوبة في التنفس وشبه اختناق من رائحة الكلور النفاذة القوية التي انتشرت في كل أرجاء المنزل، فخرجنا مسرعين إلى الشرفات وفتحنا النوافذ لساعات للتهوية، وطلبنا من الصيدلية أدوية لحساسية الصدر، واستغرق الأمر ساعات طويلة حتى شعرنا بتحسن، وقمنا بمسح الأرضيات أكثر من مرة بالماء فقط، لإزالة رائحة الكلور الخانقة».


تعقيم كل المشتريات


أما خلود عبدالله ربة منزل وأم لثلاثة أطفال فتقول: «أنا الشخص المنوط به شراء مستلزمات البيت من السوبر ماركت والجمعيات التعاونية؛ لأنني الأكثر معرفة بما تحتاجه الأسرة، ولكن خروجي لشراء مخزون البيت يصيبني بهوس الإفراط في التعقيم من منطلق خوفي أن أكون أنا الشخص الذي قد يحمل الفيروس لأبنائي وعائلتي في المنزل، وهذا يجعلني أقوم بسلسلة من الإجراءات الوقائية قبل عودتي للبيت، حيث أسعى إلى تعقيم كل المشتريات وملابسي بالكامل وأدواتي الشخصية، من هواتف وإكسسوارات وحقيبة وكل شيء بمواقف البناية.
ومؤخراً اتبعت نصيحة إحدى صديقاتي بضرورة تعقيم سيارتي أيضاً من الداخل والخارج في كل مرة استخدمها فيها، وبالفعل أحضرت زجاجة بخاخ مطهر يقضي على الميكروبات والجراثيم وعند خروجي من السوبر ماركت أخذت أرش مقابض السيارة الخارجية ومقود القيادة والكراسي والأرضيات وكل الأسطح الداخلية، ثم تحركت بالسيارة في طريقي للبيت، ولكن فجأة شعرت بدوار وصعوبة في الرؤية واختناق في التنفس، وشعرت بغثيان وبدأت أفقد وعيي وأفقد السيطرة على السيارة، وكدت أتسبب في حادث مروري لولا أن الله سبحانه وتعالى ألهمني، فتوقفت على جانب الطريق وغبت عن الوعي للحظات وأفقت على مجموعة من المارة يدقون نافذتي بقوة لأفتح لهم، وفتحت باب السيارة وخرجت إلى الهواء لبرهة حتى استعدت قدرتي على التنفس وقمت بتهوية السيارة، وفتح كل النوافذ طوال الطريق حتى وصلت إلى البيت. ولذلك أنصح الجميع بعدم المبالغة في التعقيم دون وعي أو إسراف، فقد تكون النتيجة عكسية».


مهام تنظيف المنزل


وتتفق سلوى محمد (موظفة) مع الرأي السابق وتقول: «منذ بداية التزامنا بالبقاء في البيت، قمت بعدة تدابير احترازية أولها عدم الاستعانة بخادمة في البيت لتجنب مصادر العدوى، خاصة أنها غير مقيمة لدينا، ونتيجة لذلك فقد توزعت مهام تنظيف المنزل على أفراد الأسرة، وبالطبع كانت مهام الاعتناء بأمور الطهي والمطبخ من اختصاصي. أقوم يومياً بتعقيم أسطح الطاولات في المطبخ بالكلور المخفف بالماء بنسبة 1 إلى 10، طبقاً للإرشادات التي انتشرت عبر المواقع المختلفة، كما أحرص على إضافة بعض المطهرات بكثافة على الصابون السائل الذي استخدمه لغسيل الأواني والأطباق لتعقيمها وتطهيرها، ولكن بعد فترة وجيزة بدأت أشعر بجفاف شديد في بشرتي ثم ازداد الأمر سوءاً ليصبح احمراراً وبعض التشققات في يدي تصيبني بالآلام الشديدة، وبعضها ينزف أحياناً، فاستشرت طبيب أمراض جلدية عبر الهاتف وأرسلت له فيديو لشكل يدي، وقد وجهني بعدم استخدام هذه المطهرات إطلاقاً على بشرتي حتى لو كانت مخففة وطلب مني ضرورة استخدام مرطبات للبشرة، باستمرار عقب غسل الأيدي بالصابون.
كما حذرني من أن هذه المبالغة في التطهير غير مطلوبة وتسبب أذى مباشراً؛ لأن هذه التشققات قد تسهل انتقال الفيروس إلى جلدي وبشرتي، وأنه يجب أن تتم الإجراءات بطريقة متوازنة ومدروسة وأبتعد عن حالة الهوس».


تساؤلات حائرة


أما منى إبراهيم (ربة بيت) فتشاركنا معاناتها وخبرتها في هذا الأمر وتقول: «كثيراً ما أصاب بحالة من الحيرة والقلق واضطرابات النوم والكوابيس أحياناً، حيث أجد في كل يوم نصيحة جديدة في طرق التعقيم وإرشادات تختلف في كل يوم عن اليوم السابق ولا أعرف هل ارتداء القفازات مفيد أم لا، مثلاً. فأنا أعيش حالة من الخوف بسبب خروج زوجي للعمل يومياً للضرورة، حيث أحاول أن أكون أكثر حرصاً وأتعامل مع ملابسه التي يأتي بها من الخارج في كل يوم فأجتهد في تطهير كل شيء بداية من ساعة يده وحزام الهاتف المحمول وحتى حذائه الذي سمعت نصيحة بأنه يجب أن يوضع في ماء مغلي مخلوط بالكلور، ونصيحة أخرى بأنه يجب وضعه في غسالة الملابس، ولا أعلم بالتحديد ما هو المناسب وما هي النصيحة الأكثر فاعلية لتحقيق الحماية لأسرتي».


كثير من الأضرار


وللإجابة عن هذه الأسئلة والتعليق على تجارب العائلات في المبالغة في التعقيم، التقينا الدكتورة نور هاشم الحاصلة على ماجستير في الصحة العامة لتطلعنا على نتائج الإفراط في التعقيم، وتقدم نصائح طبية مفيدة للعائلات، وتقول: «على الرغم من الفوائد المهمة للمطهرات والمعقمات فإن المبالغة في استخدام المعقمات ومواد التنظيف تحمل كثيراً من الأضرار أهمها أضرار الجلد التي تتراوح بين الإصابة بالجفاف والحكة والتهيج والاحمرار الجلدي، وقد تصل إلى «الأكزيما»، وربما يصاب الجلد بحروق من الدرجة الأولى، وقد تصل إلى إتلاف الجلد مما يزيد قابلية العدوي.
كما أن مواد التنظيف والتعقيم قد تقضي على فلورا الجلد الطبيعية، وهي البكتيريا الطبيعية في جلد الإنسان والتي تحميه. وبالتالي يصبح الجلد أكثر عرضة للجراثيم والفيروسات. وهناك ارتباط بين زيادة استخدام الكلور المركز وزيادة نسبة الإصابة بأمراض السرطان مثل سرطان الثدي، كما يؤدي للإصابة بضيق تنفس وحساسية الجهاز التنفسي لاحتوائه على مركبات شديدة السمية.
وخلط أكثر من مادة مطهرة معاً، تنتج عنه مركبات ومواد كيماوية تضر بالجلد والرئة، وقد يصل الأمر إلى حدوث أورام سرطانية في الجسم؛ لذا يجب استخدام نوع واحد فقط مخفف.
ولا بد من تخفيف المعقمات والمطهرات المركزة بالماء قبل استخدامها لمسح الأسطح (100 مل من الكلور على لتر ماء). وبعض المعقمات والمطهرات تحتوي على مواد كيماوية سهلة الامتصاص عبر الجلد، وبالتالي الإفراط في استخدامها يؤدي إلى امتصاصها ووصولها إلى مجرى الدم، بما له من أثار جانبية مختلفة مثل السرطان والحساسية واضطراب الهرمونات والآثار العصبية وضعف العضلات. ولبس القفازات لفترات طويلة أو طوال النهار دون تبديلها يؤدي للحساسية الاحتكاكية في الجلد مع احمرار الجلد والحكة.
ومن العادات الخاطئة التي أصبحت رائجة غسل الخضراوات والفواكه بالصابون، مما يؤثر في الجهاز الهضمي، وقد يؤدي إلى التقيؤ والإسهال واضطراب الهضم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"