«حرب سياسية وإعلامية».. ضد «روسيا» في سوريا

03:17 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

الدور الروسي في سوريا أحد أهم الموضوعات إثارة للجدل في السياسة الإقليمية والدولية المعاصرة، وخاصة منذ بداية الحرب الإرهابية على سوريا عام 2011 تلك الحرب المدعومة من جانب أطراف دولية وإقليمية عديدة أبرزها الولايات المتحدة وتركيا و«إسرائيل»، وبصوة أخص منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا بناء على طلب حكومتها الشرعية، في سبتمبر/أيلول 2015، وهو التدخل الذي قلب موازين القوى العسكرية في سوريا رأساً على عقب.
لا يكاد هذا الجدال يهدأ حتى يثور من جديد مع كل تطور، على هذه الدرجة أو تلك من الأهمية، في القضية السورية شديدة التعقيد والتشابك مع غيرها من قضايا المنطقة.


انقلاب في موازين القوى


وإذا كانت دمشق ترتبط بموسكو بعلاقات استراتيجية متعددة الجوانب منذ الستينات، كما كانت روسيا هي المصدر الأساسي لتسليح الجيش السوري في مواجهة الغزو الإرهابي المدعوم محلياً وإقليمياً منذ عام 2011، فإن التدخل العسكري الروسي منذ (30 سبتمبر 2015)، لم يقلب موازين القوى في ساحات المعارك في سوريا فحسب، بل إنه أدخل عنصراً جديداً بالغ الأهمية في موازين القوى في الشرق الأوسط بأسره؛ إذ أصبحت روسيا طرفاً مباشراً في معادلات القوة في المنطقة، وراعياً أساسياً لجهود التسوية في سوريا، ومن خلال هذا الدور كان بديهياً أن تصبح على تماس مباشر مع جميع الدول والقوى الأطراف في الصراع على أرض سوريا، كما كان من الطبيعي أن تحصل على قواعد وتسهيلات عسكرية لانطلاق قواتها المشاركة في المعارك، وأن يصبح لها وجود جوي وبحري واسع النطاق في شرق البحر التوسط، للمرة الأولى منذ العهد السوفييتي، بل وعلى نطاق أوسع بكثير.


حرب إعلامية


وكان بديهياً - والحال هكذا- أن يصبح الدور الروسي في سوريا أحد أهم موضوعات الحرب السياسية والإعلامية الغربية والإقليمية ضد كل من موسكو ودمشق على حد سواء، وأن تنطلق الاتهامات ضدهما من كل الأطراف التي تعرض مشروعها في سوريا للهزيمة بسبب التدخل الروسي، وبغض النظر عن أن هذا التدخل قد تم بناء على طلب الحكومة الشرعية للبلاد، ومن أهم هذه الاتهامات الحديث عن «الاحتلال الروسي لسوريا» وعن أن روسيا تتخذ من سوريا نقطة ارتكاز لترتيب علاقاتها مع «إسرائيل» على حساب دمشق، أو أن موسكو تسعى للاتفاق مع أنقرة على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ تحصل تركيا بموجبه على أجزاء من الأراضي السورية بمباركة روسية، أو أن روسيا تقدم غطاءً شرعياً للوجود الإيراني في سوريا من خلال إدخال إيران ضمن «الدول الضامنة» في محادثات آستانة، ثم مؤخراً من خلال القول بأن روسيا قد ضاقت ذرعاً بالرئيس السوري و«أنه أصبح يمثل عبئاً عليها» وأنها تسعى لتغييره، بل وأعدت البديل فعلاً، وتنتظر اللحظة المناسبة لتنصيبه!!.. إلخ.. إلخ..


لغة المصالح


وبادئ ذي بدء فلا بد من القول، إن روسيا لم تجئ إلى سوريا لتقوم بعمل خيري من أجل عيون الرئيس الأسد والشعب السوري، بل جاءت دفاعاً عن مصالحها، وهو الدافع المحرك لجميع الدول في علاقاتها الدولية، وخاصة الدول العظمي والكبرى، التي تستطيع أن تدفع (ثمن) أو (تكلفة) تحركاتها تحقيقاً لهذه المصالح أو دفاعاً عنها، وأي حديث غير هذا هو حديث ساذج أو مغرض.
وبالنسبة لروسيا فإن سيطرة الإرهاب الدولي على سوريا (وما كان يحمله من خطر الامتداد إلى العراق ولبنان والأردن) كان يمثل خطراً فادحاً عليها، نظراً لقرب حدودها الجنوبية من المنطقة، تلك الحدود التي تسكنها شعوب صغيرة مسلحة، يمكن أن يمتد إليها الحريق الإرهابي، وهو ما جربته روسيا في الشيشان، ودفعت له ثمناً فادحاً، ومن هنا كان اهتمام موسكو بدحر الإرهاب في الشرق الأوسط وخاصة سوريا، ونعتقد أن هذه مصلحة مشتركة لروسيا مع شعوب المنطقة.
من ناحية ثانية فإن قيام موسكو بهذا الدور في سوريا يتيح لها تأكيد نفوذها في هذا البلد ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط ونشر هذا النفوذ في دول المنطقة، وقد ذكرنا من قبل أن من يتصور أن روسيا جاءت إلى سوريا للقيام بعمل خيري، فهو إما ساذج أو غير مدرك لألف باء العلاقات الدولية، والسؤال هو هل أمريكا أو غيرها من الدول الكبرى موجودة في منطقتنا لممارسة الأنشطة الخيرية؟!.
وهل كانت سيطرة «داعش» و«النصرة» وتركيا و«إسرائيل» على سوريا ولبنان والعراق ستمثل تحريراً ورفاهية لهذه البلدان؟!.
وبديهي أن مصالح روسيا لا تتطابق مع مصالح سوريا بصورة مطلقة، فالدول العظمي تنظر إلى مصالحها في إطار استراتيجية كونية أوسع، لكن المهم أن تكون هناك مصالح مشتركة أساسية مثل دحر الإرهاب، والحفاظ على كيان الدولة الوطنية، وهو ما نعتقد أنه تحقق في سوريا، نتيجة للتحالف بين دمشق وموسكو، وهناك أيضاً جهود إعادة الإعمار ومكافحة «كورونا»، وغير ذلك من المصالح المشتركة.


كبح جماح تركيا


أما بالنسبة لتركيا فالمؤكد أن الوجود الروسي كان له دور كبير في كبح جماح الأطماع التركية في الأراضي السورية، ولننظر إلى ما حدث في إدلب، وفي منطقة شرق الفرات، وإلى الدور الروسي في الوساطة بين دمشق والأكراد، ونقل القوات السورية إلى حدود البلاد الشرقية والشمالية بدون إراقة دماء، بعد انسحاب القوات الأمريكية منها، ألم يكن ذلك كله تحقيقاً لمصالح الشعب السوري؟.
أما بالنسبة للوجود الإيراني في سوريا (وكذلك حزب الله) فإن روسيا تنظر إليه نظرة براجماتية بحتة، فهو مطلوب بالنسبة لها في مناطق مكافحة الإرهاب، بينما تتجاهل صواريخ الدفاع الجوي الروسية، الغارات «الإسرائيلية» على المواقع الإيرانية (وحزب الله) بعيداً عن هذه المناطق، برغم الاستياء الإيراني، وبديهي أن موسكو لا تتبنى مقولات مثل «محور المقاومة» أو «ممر طهران - بغداد - دمشق - بيروت». ولا نظن أن موسكو مطلوب منها الدفاع عن الوجود الإيراني في سوريا بعيداً عن جبهات القتال ضد الإرهاب.
وتظل العلاقات الروسية «الإسرائيلية» موضوعاً للاختلاف بين النظرتين العربية والروسية، لكن لابد من ملاحظة أن المضي بعيداً في أية مواجهة مع «إسرائيل» ينطوي على خطر الصدام بين روسيا والولايات المتحدة، وهو ما لا تريده موسكو، ولا تقدر عليه.
من ناحية أخرى فهي لا تريد الاصطدام باللوبي الصهيوني القوي في أمريكا، ويبقى أن علينا نحن العرب أن نبني عناصر قواتنا ودفاعاتنا عن مصالحنا.
وأما الحديث عن «الأسد كعبء على موسكو» فليس هناك أية معطيات جدية تشير إليه، كما تحرص روسيا على نفيه رسمياً باستمرار.

* كاتب مصري - خبير في الشؤون الروسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"