كتاب «الفريج.. ذكريات من الزمن الجميل» لإبراهيم بوملحة

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم:عبدالغفار حسين

الأستاذ «بوعبيد»، إبراهيم بوملحة، عُرف في الأوساط الثقافية الإماراتية وربما الخليجية ببحوثه واستقصاءاته عن التراث القديم في دُبي. وليس منا، نحن القُرّاء أو المُتابعين لمجريات الأمور الثقافية، مَنْ لم يقرأ ل«بوعبيد»، إبراهيم بوملحة، شيئاً من هذه البحوث عبر كتبه وكتاباته العديدة منذ السبعينيات من القرن الماضي، أو قبل ذلك بسنوات قليلة. وإذا تناول الأستاذ بوملحة شيئاً من هذه المواضيع التي يستهويه الخوض فيها، فإنه يحاول أن لا يترك شَارِدَةً أو وَارِدَةً إلَّا ويطرق بابها ويلج هذا الباب بكل حماس وإطراد وإسهاب. وهذا ما فعله في هذا الكتاب الذي بين أيدينا والذي يُعتبر أحد أكبر الكُتب حجماً واحتواء لأحاديث «بوعبيد»، إذ يبلغ عدد صفحاته قرابة 440 صفحة من الحجم الكبير، وفي إخراج وطباعة أنيقين.
وكلمة «الفريج» محلية في اللهجة الإماراتية الدارجة، وتعني «الفريق» وهذه الكلمة تعني في اللغة جمعاً من الناس أو جمعاً من المنازل، أو جمعاً من المساكن والمضارب، وما شابه ذلك.. وأعتقد أن الاسم الذي اختاره الأستاذ إبراهيم بوملحة مُناسب ؛ لأن حديثه في هذا الكتاب ينصب في مجمله على الفرجان، جمع: فريج، وما كان في الفريج من نشاطات مُجتمعية في النصف الأوَّل من القرن العشرين الماضي.
ويبدو الأستاذ بوملحة أكثر إلماماً عندما يتحدث عن فريج سكة الخيل في ديرة، الذي عاش فيها طفولته ثم وهو يَشب عن الطَّوق.
وأمّا في غير سكة الخيل من الفرجان، فإنه يعتمد في وصفه وحديثه عنها على الروايات التي سَمِعَهَا من الآخرين، خاصّةً محمد سعيد النيار، الذي يَكبُر الأستاذ بوملحة بما يزيد على ثلاثين سنة. وكان النيار، رحمه الله، معروفاً في أوساط مجتمع ديرة بأنه يُشارك أهل الطَّرَب والفنون والفلكلور ما هم فيه من السّمات، ثم أصبح في مشارف الخمسينات صاحب مقهى في السبيخة بالقرب من مقهى حمدان المشهور، وتركها بعد ذلك ليفتح له مقهى آخر في سكة الخيل بالقُرب من سوق الذهب، ولم يبدأ، كما روى كتاب الفريج، بسكة الخيل.
وأصبح النيار بعد ذلك شبه محامٍ يتولى الدفاع عن قضايا من يوّكلونه وينوب عنهم في المحاكم والمؤسسات الرسمية الأخرى كالبلدية و«الطابو» حتى وفاته، رحمه الله. ويبدو أن الأستاذ إبراهيم في بحوثه عن الأشياء المُتعلقة بالتراث الشعبي كثير الاعتماد على النيار والأخذ بما يقوله دون شيء من التمحيص، فمثلًا يروي الأستاذ إبراهيم عن النيار قصة المطعم الإيراني الذي كان أمام العبرة في بَرّ دبي في بداية الخمسينات من القرن الماضي، وأنه أغلق بأمر الحكومة، وليس هذا القول بصحيح.
ومما يبدو، أن الكتاب كثير الاعتماد على رواية السيد محمد النيار، ونحن الذين عاصرنا تلك الحقبة من الزمن لم نر للنيار تلك الصفة الشخصية التي تدل على أمور معرفية ودور اجتماعي. ويأخذ النيار حيزاً كبيراً من روايات الأستاذ بوملحة في كتابه هذا، وعِندي أن إعادة التدقيق في هذه الروايات ضروري إذا أعيد طبع الكتاب.
في هذا الكتاب يتميز بوملحة ببعض الخصائص أو يكاد ينفرد بها، وهي أنه مُثابر على متابعة كل صغيرة وكبيرة من الأمور التي يتقصاها ويبحث عنها، حتى ولو بدت في عيون الآخرين ليست بذات أهمية قصوى.
ولبعض الأصدقاء الذين يحبهم الأستاذ «بوعبيد» كأحمد أمين، وعيسى بن رهيف، وغيرهما صفحات من التمجيد في الكتاب ما يُخرج الحديث عن نطاقه التراثي في الفريج إلى تفاعلات عاطفية شخصية، ولكن الأستاذ بوملحة يُشعرك بأن كتابه لم يُخصص لروايات تاريخية وحدها، وإنما هناك ذكريات ممزوجة بالود والصداقة اللذين كانا يربطان المؤلف ببعض الأسماء والأماكن التي وردت حكايات عنها في الكتاب.
ومن الإنصاف في نهاية هذا المقال أن نقول إن الكتاب «الفريج» كتاب مُفيد ويُلقي ضوءاً كاشفاً على المجتمع الدُبوي في النصف الأوَّل من القرن الماضي وحتى الثُلث الأخير منه، ولمؤلفه الأستاذ إبراهيم بوملحة غوص عميق في التقاط معلومة هنا وهناك لم يكن الوصول إليها ممكناً لولا جَلَد «بو عبيد» واستقصاؤه للوصول إلى المعلومة أو جوانب منها. كما أن من الإنصاف أن نذكر أن الأستاذ بوملحة أصبح في رأس الباحثين والمؤرخين الإماراتيين، وله في هذا المجال بحوث ودراسات ليس بالإمكان الوقوف عليها إلا لمن يتمتع بالمعرفة والدراية اللتين يتمتع بهما الأستاذ إبراهيم بوملحة، مؤلف هذا الكتاب النَفيس. وقد يجد المُتابع الفطن بعض الهنات في هذه الزاوية أو تلك لكن كتاب «الفريج» بما يحتويه من شوارد المعلومة يحتل مكاناً بارزاً وعَليّاً بين الكُتب، التي تم تأليفها في الإمارات في السنوات الأخيرة.w

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"