أحلام مدمرة

03:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب- إيهاب عطا:

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
حلمت «ك.ف» كغيرها من الملايين حول العالم بالعيش والعمل في الإمارات، واجتهدت حتى حققت حلمها بعدما جمعت كل ما تملك من المال واقترضت بعضه الآخر لتوفر تكلفة رحلة البحث عن فرصة لها ولأسرتها التي تتألف منها وزوجها وثلاثة أبناء، وما إن وضعت قدميها على أرض الإمارات حتى دأبت على البحث عن الفرص عبر الإنترنت، والسعي بنفسها عن طريق طرق أبواب المحال التجارية والشركات والمدارس؛ حيث كانت أكثر خبرتها في مجال الإدارة التنفيذية، وهي وظيفة تتوفر في كثير من الأماكن، لكن المهم هو العثور على فرصة مناسبة.
استغرق بحث «ك.ف» عن وظيفة ما يقرب من شهر حتى عثرت على وظيفة في إحدى شركات الاستيراد والتصدير للإلكترونيات كمشرفة إدارية تتابع عمليات البيع لمختلف أنواع الشركات والعملاء، وكان انطباع كل من يتعامل معها أنها مثال للتفاني في العمل والإخلاص لوظيفتها، لكن يبدو أنه فعلاً كما يقول المثل «ليس كل ما يلمع ذهباً»، وقد أكدت «ك.ف» صدق هذا المثل فقد كانت تخبئ في رأسها أفكاراً وأحلاماً غير مشروعة بالثراء السريع والرغبة في جمع أكبر مبلغ من المال في أقصر وقت ممكن مهما كانت الطريقة قانونية أم غير قانونية، وأخذت تفكر في طريقة للتحايل على إدارة الشركة التي تعمل فيها للحصول على مبالغ كبيرة، وهداها شيطانها لأن تعمد إلى تزوير مستندات رسمية تخص الإيجار ومصروفات مدارس أبنائها الثلاثة وتقدم إيصالات برسوم ومصروفات أكبر من حقيقتها.
-ممكن تساعدني في طباعة بعض الأوراق؟
هكذا حاولت إقناع أحد العاملين في قرطاسية تقدم خدمة تصوير وطباعة الأوراق والمستندات، لكنها لم تجد تعاوناً من هذا العامل لأنه شك في المستندات بعد أن اطلع عليها ووجد أن من بينها إيصالات صادرة عن مدارس وهيئات حكومية لفواتير الكهرباء والغاز، وأخرى خاصة بإيجار الشقة التي تسكن فيها.
فكرت «ك.ف» ملياً حتى وجدت أنه لا مفر من أن تقوم بعملية التزوير بمفردها من دون مساعدة من أحد، فقررت أن تشتري ماكينة طباعة وتصوير ومسح ضوئي في آن واحد وجلست في غرفة نومها لتزور الفواتير، فدخل عليها زوجها وفوجئ بما يراه فهذه أول مرة تعمل فيها في البيت لأنها ليست معتادة على ذلك، وسألها عندما لاحظ وجود ماكينة الطباعة:
*ماذا تفعلين يا حبيبتي.. أول مرة أراك تعملين في البيت.. ولماذا أحضرت هذه الطابعة؟ نظرت إليه وفي عينيها نظرة فرحة مكبوتة، لكنها لم تقو على البوح له بما تنوي، فزوجها يعمل في إحدى الشركات بمرتب متوسط، لكنه يرضى به ويحاول الادخار منه ولو القليل كل شهر، وليست لديه شهوة المال التي سيطرت على زوجته ودفعتها إلى ارتكاب تلك الجريمة.
تمكنت «ك.ف» من تزوير مجموعة إيصالات في المرة الأولى وقدمتها إلى إدارة الشركة التي لم تشك لحظة في عملية التزوير وصحة المستندات المقدمة، واستطاعت أن تحصل على بدلات للسكن ومدارس الأولاد بما بلغ أضعاف مضاعفة لما أنفقته، الأمر الذي مكنها من ادخار مبلغ كبير.
أغرى انخداع إدارة الشركة «ك.ف» بالمستندات المزورة على تكرار فعلتها مرات عدة إلى أن أوقعها حظها العاثر في إحدى المرات؛ حيث اشتبه الموظف المختص بمراجعة الفواتير في ما تقدمه، ما أدى إلى التحقيق في الموضوع والتدقيق في المستندات، ومراجعة ما سبق أن قدمته من فواتير وإيصالات، ليكتشف المدققون أنها مزورة وأن «ك.ف» على مدى شهور تمكنت من تزوير محررات رسمية هي عبارة عن 44 إيصالاً منسوباً إلى هيئة كهرباء ومياه دبي بقيمة 32.383 درهماً، وعدلت رقم الشقة (202) إلى (203) في تلك الإيصالات كما زورت 40 سند قبض استلام رسوم مدرسية نسبتها إلى مدارس خاصة بقيمة 123.475 درهماً، وزورت أيضاً 5 وثائق إيجار أثبتت فيها قيامها باستئجار الشقة رقم (203) على خلاف الحقيقة بمبلغ 219.500 درهم، بمبلغ إجمالي 375.358 درهماً و60 فلساً كبدلات عن تكلفة الإيجار ورسوم مدرسية لأبنائها، فأبلغت إدارة المدرسة الشرطة على الفور لتبدأ «ك.ف»مرحلة جديدة من حياتها لم تتوقع في يوم أن تصل إليها، فبدأ التحقيق معها ثم إحالتها للقضاء الذي أنكرت أمامه تهمة التزوير الثابتة في حقها، وها هي الآن تمضي عقوبة الحبس خلف القضبان، ثم بعدها ستغادر الدولة بغير رجعة؛ حيث صدر مع عقوبة الحبس قرار إبعاد عن الدولة لا يحق لها معه العودة إلى الدولة، وهكذا قضت على حلمها ومستقبل أسرتها في لمح البصر بعد ما ظنت أنها خدعت شركتها وحصلت على مبلغ ظنت أنه يغنيها ويقصر رحلتها إلى الثراء السريع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"