«الكروماتوفوبيا».. الرعب من الألوان

00:40 صباحا
قراءة 5 دقائق

تعد الألوان بمختلف أشكالها وأنواعها مصدر بهجة للكثيرين من الأشخاص، ويختلف كل فرد في تفضيل أو تحبيذ لون على آخر.
يساعد إدراك الألوان على الحصول على معلومات حول العالم، وبفضل تمييزها فإنه يمكن تحديد العديد من الكائنات وخصائصها.
يخاف البعض من لون أو ألوان معينة، فمثلاً هناك من يخشي من اللون الأحمر بشكل كبير، لأنه رمز للدم أو يعتقد أنه يشير إلى العنف، أو حتى لدى البعض يعبر عن الموت.
يمكن أن تثير بعض الألوان قلقاً وخوفاً كبيراً لدى العديد من الأشخاص، ويستمر الأمر ويتفاقم حتى يسبب لمن يعاني هذا الخوف مشاكل في حياته العملية والاجتماعية.
يعد هذا الاضطراب أحد أنواع الخوف المرضي أو الرهاب غير العقلاني، التي تعرف برهاب الألوان أو ما يعرف بالكروماتوفوبيا.
نتناول في هذا الموضوع مشكلة رهاب الألوان بكل تفاصيلها، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذا النوع من الخوف المرضي، وكذلك أعراضها التي تميزها عن غيرها من الحالات المتشابهة، ونقدم طرق الوقاية التي ينصح بها الباحثون، وأساليب العلاج المتبعة والحديثة.


عدم الراحة


يعرف الأطباء الكروماتوفوبيا بأنها خوف غير عقلاني ومستمر من بعض الألوان، وتكون له أعراض تجعل المصاب به يتجنب التعرض لهذه الألوان، وأحياناً للكثير منها.
يختلف هذا الاضطراب من شخص لآخر، وذلك بحسب عدم الارتياح إلى وجود لون معين أو ألوان عدة، ويصل الأمر لدى البعض إلى أن السؤال عن هذا اللون يجعلهم لا يشعرون بالراحة.
يعتبر أكثر أنواع الكروماتوفوبيا انتشاراً الخوف غير المنطقي من اللون الأصفر، وكذلك من اللون الأسود، وفي كثير من الحالات فإن الأفكار الخرافية ربما كانت وراء هذا الخوف.
تطلق بعض المسميات على كل رهاب يرتبط بأحد الألوان، كالسيانوفوبيا بالنسبة للخوف من اللون الأزرق، والرودوفوبيا بالنسبة للخوف من اللون الوردي، والميالونوفوبيا بالنسبة للخوف من اللون الأسود.


حياة صعبة


تصبح حياة الشخص المصاب بمرض الكروماتوفوبيا صعبة للغاية، وذلك على الرغم من أن الإصابة به تحدث بشكل أقل توتراً؛ حيث يتجنب الخروج كي لا يتعرض بشكل مفاجئ للون الذي يخشاه.
تتأثر بسبب ذلك دائرته الاجتماعية، ولا يخرج من المنزل إلا في أضيق الحدود، ويرفض الذهاب إلى العمل، وذلك لأن هناك لوناً غير محبب له أو أن أي لون في الشركة يمكن أن يثير الخوف لديه.
يتجنب كثير من المصابين برهاب الألوان المدن الكبيرة، لأن العلامات والشاشات بها تكون متوفرة، مع الحشود المتنوعة والملونة.
يعد من أبرز من أصيبوا بهذا الاضطراب الكاتب السياسي الأمريكي بنجامين فرانكلين، وكانت مشكلته مع الأشياء الصفراء، والممثل الأمريكي بيلي بوب ثورنتون.


السبب الأبرز


ترجع الإصابة برهاب الألوان إلى اضطراب ما بعد الصدمة، وهو السبب الأبرز، الذي ربما كان نتيجة وقوع حادث سيئ في طفولة المصاب، كما يعاني بعض المرضى الكروماتوفوبيا نتيجة عوامل وراثية، وأيضاً بسبب كيمياء الدماغ.
ترتبط بعض الحوادث بألوان أو ظلال معينة، التي لم يتمكن المصاب من التغلب عليها، ومن ذلك أن يكون تعرض لحادث ما، أو إساءة معاملة أو وفاة شخص مقرب.
يرتبط اللون الأسود لدى الطفل في عقله اللاواعي بالموت والخسارة والفقد، وذلك لأنه حضر في جنازة أحد أفراد الأسرة.
يمكن أن يتعرض لإيذاء جسدي أو معنوي من أحد الأشخاص، لكنه لا يتذكر وجهه، وإنما ما يتذكره هو لون ملابسه، وبالتالي يظل هذا اللون مرتبطاً في ذهنه بهذه الواقعة ما يسبب له ذعراً حقيقياً.


نظرة مختلفة


تختلف نظرة البعض للألوان، فإذا كان اللون الأخضر مرتبطاً لدى البعض بالربيع، فإنه مرتبط بالعفن لدى آخرين، ونفس الأمر بالنسبة للأصفر، فينظر له البعض إلى أن لون الثروة والشمس والدفء، وآخرون ينظرون إليه على أنه لون القيح والصفرة غير الصحية للجلد المحتضر.
يرتبط هذا النوع من الخوف بالجذور الثقافية، التي يستمد منها رمزية ودلالة الألوان والظلال والمعنى منها، فمثلاً تعامل بعض ثقافات الشعوب مع ألوان معينة على أنها خبيثة أو غريبة أو سطحية.
يخاف في الغالب الهنود والصينيون واليابانيون من اللون الأبيض، لأنه في ثقافتهم رمز للتعاسة والموت، في حين أن اللون الأحمر يسبب العداوة بين الأوربيين، وهو مرتبط لديهم بالعدوان والدم والخطيئة.
يعد اللون الأزرق بالنسبة للإيرانيين لون الحداد والحزن، وعلى الرغم من شعور الكثيرين بالقلق من اللون الأسود، فإنه موقر في الهند ويعد لوناً للصحة والانسجام.


مستوى الخوف


يشير الأطباء إلى أن أعراض فوبيا الألوان تختلف من شخص لآخر، وذلك بحسب مستوى الخوف الذي يعانيه.
يلاحظ أن الأشخاص الذين يعانون مرض الكروماتوفوبيا لا توجد ظلال في ملابسهم، وكذلك لا توجد أشياء في المنزل رسمت بمثل هذا اللون.
يفكر المريض دائماً في الأماكن التي عليه الذهاب إليها، والطرق التي يتوجب عليه أن يسلكها، وفي حالة مواجهة ما يخشاه، فإنه تظهر عليه بعض الأعراض.
تشمل الأعراض التي يعانيها المصاب بهذا الاضطراب القلق الشديد، وفي بعض الأحيان نوبات من الهلع، كما يعاني ضيقاً في التنفس، والتعرق الشديد، والغثيان، ومن الممكن أن يفقد القدرة على الكلام، أو صياغته.
يعاني كذلك جفافاً في الفم، ومن الممكن أن تظهر على أطرافه هزة، ويصل الأمر في الحالات الشديدة إلى فقدان الوعي.
يمكن أن يعاني بعض المصابين الاكتئاب، الذي يرجع للوحدة؛ حيث لا يتمكن من تكوين صداقات طبيعية، كما أن البعض ربما لا يستطيع البقاء في وظيفته أو يرفض السفر للعمل، وذلك بسبب خوفه من بعض الألوان.


أنماط متنوعة


يحتاج المصاب برهاب الألوان إلى الذهاب للطبيب النفسي، الذي يلجأ للاستعانة بالعديد من أنواع وأنماط متنوعة للعلاج.
يمكن أن يصف بعض الأدوية للتخفيف من القلق والتوتر، فيتم وصف المهدئات في الحالات التي تعاني نوبات هلع متكررة وشديدة، كما يستخدم مضادات الاكتئاب التي تحسن من الحالة المزاجية بصورة كبيرة.
يعد أبرز نوع يستعين به الطبيب العلاج السلوكي المعرفي، ويكون الهدف منه تعديل العادات والسلوكيات والأفكار التي تؤدي إلى المعاناة من هذا الاضطراب.
يلجأ كذلك إلى استخدام تقنيات الاسترخاء والتعرض، وهما من أكثر التقنيات المستخدمة في علاج المصابين بمختلف أنواع الخوف المرضي.
تجمع تقنية إزالة الحساسية المنتظمة بين التقنيتين السابقتين، وفيها يتم تعرض المريض لحافز مثير للخوف بصورة تدريجية.
يتعرف المريض أيضاً إلى استراتيجيات مواجهة أخرى، التي تساعده على ألاّ يتجنب التحفيز المثير أو أن يهرب منه.


نصائح ضرورية


يقول الباحثون إن مرحلة العلاج في الغالب تستمر أشهراً عدة، ويجب على المصاب بمرض رهاب الألوان أن يلتزم بجميع النصائح الضرورية وتوصيات الطبيب.
ينصح في هذا الإطار بتجنب التعرض لأي ضغوط أو مشاعر قوية، وكذلك تجنب تناول المشروبات الكحولية أو المخدرات.
يجب أن يحرص المريض على الحصول على دعم الدائرة المقربة منه، كأفراد الأسرة والأصدقاء وكل من يثق فيهم.
يقل احتمال الانتكاس إذا تعلم المصاب التركيز ليس فقط على نفسه وداخله، وإنما على غيره من الأشخاص أو على هواية ممتعة.
ينصح مع بدء العلاج بأن يتحرك المصاب في جميع أنحاء المدينة، ويقوم بزيارة المعارض الفنية، التي تعد طريقة ينغمس فيها بمجموعة متنوعة من الألوان.
يرافق المصاب في هذه الجولات من يثق فيهم، ويوفرون له الحماية إذا تعرض لأي نوبة فزع، التي من الممكن أن تحدث أثناء هذه الجولات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"