يعد البنكرياس غدة طويلة مسطحة، وتقع خلف المعدة وبجانب الاثنى عشر في الجزء العلوي من البطن، وله وظيفتان. ويقوم في الوظيفة الأولى بإفراز إنزيمات هضمية ذات فاعلية قوية داخل الأمعاء الدقيقة، وذلك للمساعدة على هضم الكربوهيدرات والبروتينات.
ويطلق في الوظيفة الثانية هرموني الأنسولين والجلوكاجون لمجرى الدم، وهما مسؤولان عن معالجة السكريات في الدم، وينظامان عملية تخزين الطعام، واستخدامه في وقت لاحق لإنتاج الطاقة.
يصاب البنكرياس بالالتهاب، والذي يظهر فجأة ويستمر لأيام، ويعرف بالالتهاب الحاد، والذي ربما تطور ليصبح مزمناً، ويظهر على مدى أعوام عدة.
ويمكن في الحالات البسيطة أن تختفي ولا تحتاج إلى علاج، إلا أن الحالات الشديدة من الممكن أن تسبب مضاعفات تهدد الحياة.
ونتناول في هذا الموضوع مشكلة التهاب البنكرياس بكل تفاصيلها، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وكذلك أعراضها المميزة، وطرق الوقاية والعلاج المتبعة والحديثة.
حاد ومزمن
يوجد نوعان لالتهاب البنكرياس، الحاد والمزمن، ويلاحظ أن الالتهاب الحاد يتطور خلال فترة زمنية قصيرة، ومن الممكن أن يتفاقم في أغلب الحالات، نتيجة تكون حصى في كيس المرارة، أو بسبب الإفراط في تناول المشروبات الكحولية.
ويمكن أيضاً أن يكون سبب الإصابة بهذا الالتهاب تناول الأدوية والتعرض للتلوث، وحدوث اختلال في عملية الأيض داخل الجسم، أو بسبب الخضوع لجراحة.
ويتطور في الغالب الالتهاب الحاد إلى المزمن، كما أن أغلب حالات الالتهاب المزمن تعود إلى تناول المشروبات الكحولية بصورة مفرطة ولفترة طويلة، وفي حالات قليلة فإن الالتهاب المزمن يكون لوجود اضطرابات في عملية الأيض بالجسم.
الانتفاخ والحساسية
يمكن أن تختلف أعراض التهاب البنكرياس بحسب النوع الذي يشكو منه المريض، فيعاني عند الإصابة بالالتهاب الحاد من ألم في الجزء العلوي من البطن، والذي يمتد للظهر، ويوصف هذا الألم بأنه إحساس بالوخز.
ويزداد الألم سوءاً عقب تناول الطعام، وبخاصة لو كان الطعام غنياً بالدهون، كما أنه من الممكن أن يصاب بالحمى ويصبح نبضه سريعاً، ويعاني الغثيان والقيء، والانتفاخ والحساسية عند لمس البطن.
وتشبه أعراض التهاب البنكرياس المزمن أعراض الالتهاب الحاد، فيشكو المصاب من ألم في الجزء العلوي من البطن، كما يفقد وزنه، ويعاني إسهالاً دهنياً، فتكون الفضلات زيتية ولها رائحة سيئة.
الإنزيمات الهضمية
ترجع الإصابة بالتهاب البنكرياس إلى نشاط الإنزيمات الهضمية خلال تواجدها في البنكرياس، وهو الأمر الذي يترتب عليه تهيج خلاياه، ومن ثم إصابته بالالتهاب.
ويؤدي تكرار نوبات الالتهاب الحاد إلى إلحاق الضرر بالبنكرياس، ومن ثم إصابته بالتلف، ويتسبب ذلك بالالتهاب المزمن.
ويمكن أن يتشكل نسيجاً ندبياً في البنكرياس، مما يؤدي إلى تعطل وظائفه، ويتسبب البنكرياس الضعيف بالإصابة بمرض السكري، ومشكلات في الهضم.
وتشمل الحالات التي تتسبب بالتهاب البنكرياس العمليات الجراحية في البطن، وإدمان الخمور، والتليف الكيسي وحصوات المرارة.
ويتسبب كذلك في هذه الحالة ارتفاع مستويات الكالسيوم في الدم، أو ما يعرف بفرط كالسيوم الدم، والذي ربما كان سببه فرط الدريقات.
المنظار الطبي
يؤدي إلى التهاب البنكرياس ارتفاع مستوى الدهون الثلاثية في الدم، والإصابة بالعدوى، وأخيراً سرطان البنكرياس.
ويمكن أن يتسبب فحص الأقنية الصفراوية والبنكرياس بالمنظار الطبي في التهاب البنكرياس، وذلك على الرغم من أن هذا الإجراء هو المتبع في علاج حصى المرارة.
التدخين والسمنة
ويزيد خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس عند توفر بعض العوامل، ومن ذلك التدخين؛ حيث وجد أن المدخن عرضة للإصابة بهذا الالتهاب أكثر من غير المدخن بنحو 3 مرات.
وتعد السمنة من عوامل الخطر، وأيضاً وجود تاريخ عائلي لهذا المرض؛ حيث يزداد خطر الإصابة لو عاني أحد أفراد الأسرة هذه الحالة.
فشل كلوي
يتسبب التهاب البنكرياس في بعض الأحيان في حدوث مضاعفات خطرة، وتشمل تجمع السوائل والحطام في جيوب تكيسية، ومن الممكن أن يتسبب تمزق هذه التكيسات الكاذبة الكبيرة في مضاعفات كالعدوى والنزيف الداخلي.
ويجعل الالتهاب الحاد البنكرياس عرضة بشكل كبير للإصابة بالبكتيريا والعدوى، ويعد عدوى البنكرياس خطراً ويحتاج إلى علاج مكثف، كالجراحة حتى تزال الأنسجة التي أصيبت بالعدوى.
ويمكن أن يؤدي الالتهاب الحاد للبنكرياس في الإصابة بفشل كلوي، كما يمكن أن يؤدي إلى حدوث تغيرات كيميائية في الجسم، والتي تؤثر في وظيفة الرئة، وبالتالي ينخفض مستوى الأكسجين في الدم لمستويات خطرة.
داء السكري
يتسبب تلف الخلايا المنتجــة للأنسولين نتيجة إصـابة البنكرياس بالالتهـاب الحاد إلى الإصابة بداء السكري، كما أن الالتهاب الحاد والمزمن يجعل البنكرياس ينتج إنزيمات أقل.
وتعد هذه الإنزيمات مهمة لتحليل ومعالجة عناصر الغذاء المختلفة التي يتناولها الشخص، وهو ما يمكن أن يتسبب في الإصابة بسوء تغذية والإسهال وفقد الوزن، على الرغم من تناول نفس الطعام وبنفس الكميات.
وتشمل مضاعفات الالتهاب المستمر الذي يصيب البنكرياس نتيجة الالتهاب المزمن زيادة خطر الإصابة بسرطان البنكرياس.
اختبارات دم
تشمل إجراءات تشخيص الإصابة بالتهاب البنكرياس إجراء اختبارات دم، وذلك بهدف التأكد من ارتفاع مستويات إنزيمات البنكرياس.
ويتم قياس مستويات الدهون من خلال اختبارات الفضلات، وذلك عند الإصابة بالتهاب البنكرياس المزمن، وربما أشار هذا الاختبار إلى عدم امتصاص الجهاز الهضمي للمواد الغذائية بصورة ملائمة.
ويجري التحقق من وجود حصى المرارة، وتقييم شدة الالتهاب من خلال إجراء أشعة مقطعية، ويمكن كذلك خضوع المصاب لتصوير البطن بالموجات فوق الصوتية.
ويتحقق من الالتهاب والانسدادات في قناة البنكرياس والقناة الصفراوية عن طريق إجراء تصوير بالموجات فوق الصوتية، وأخيراً يتم التحقق من الشذوذات في المرارة والبنكرياس بإجراء أشعة رنين مغناطيسي.
الصيام للتعافي
تبدأ خطة علاج التهاب البنكرياس الحاد في المستشفى بتوقف المريض عن الأكل لمدة يومين، وذلك بغرض إعطاء البنكرياس فرصة للتعافي.
وتستمر النوبة الحادة في العادة أياماً عدة، وفي حال لم تحدث مضاعفات كموت أنسجة البنكرياس، أو تراكم السوائل داخله أو حوله.
ويمكن عند السيطرة على التهاب البنكرياس البدء في شرب السوائل الصافية، وتناول بعض الأطعمة الخفيفة، وبمرور الوقت يعود المريض لنظامه الغذائي الطبيعي مرة أخرى.
وينصح الطبيب في بعض الأحيان باستخدام أنبوب للمساعدة على التغذية، وذلك في حالة استمر التهاب البنكرياس، والشعور بالألم عند تناول الطعام، ومن الممكن في الحالات التي تعاني ألماً شديداً أن يوصي الطبيب لها ببعض المسكنات.
علاج السبب
يحصل المريض على المزيد من السوائل من خلال الوريد خلال إقامته في المستشفى، وذلك لأن الجسم يخصص الطاقة والسوائل لإصلاح البنكرياس، فمن الممكن أن يتعرض المصاب للجفاف.
ويتم علاج السبب وراء التهاب البنكرياس بعد السيطرة على الحالة، وتشمل طرق العلاج إزالة انسدادات قناة الصفراء، لو كان السبب ضيقاً أو انسداداً في القناة؛ حيث يتم توسيع أو فتح قناة الصفراء.
وينصح الطبيب باستئصال المرارة، وذلك لو كان التهاب البنكرياس بسبب حصوات بها، ويعود البنكرياس لشكله الطبيعي، ويخف الالتهاب بعد عملية الاستئصال، وفي بعض الحالات يخضع المصاب لجراحة في البنكرياس لتصريف السوائل منه أو إزالة النسيج المصاب.
ويمكن أن تساعد مكملات إنزيم البنكرياس الجسم على تكسير العناصر المغذية في الطعام الذي يتناوله المصاب ومعالجتها، وتؤخذ هذه الإنزيمات مع كل وجبة.
ويحيل الطبيب في بعض الأحيان المصاب إلى أخصائي تغذية، والذي يساعد على وضع نظام غذائي لوجبات قليلة الدسم، وتكون محتوية على نسب عالية من العناصر المغذية.
إجراءات للوقاية
تشير الدراسات الحديثة إلى أن نحو 15% من المصابين بالالتهاب الحاد للبنكرياس لا يعرف سبب حقيقي أو محدد لهذا المرض.
ويزيد خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس المزمن في الرجال مقارنة بالنساء، وبخاصة في المرحلة العمرية بين 35 و40 عاماً.
وينصح للوقاية من الإصابة بالتهاب البنكرياس وكذلك بهدف استكمال التعافي عقب الخروج من المستشفى ببعض الإجراءات. وتبدأ هذه الخطوات بالتوقف عن شرب الكحوليات والإقلاع عن التدخين، ومن الممكن الاستعانة ببرامج المساعدة على الإقلاع، وذلك في الحالات التي تعجز عن التوقف من تلقاء نفسها.
ويجب على المصاب الالتزام بنظام غذائي يحد من الدهون، ويكون مرتكزاً على الفاكهة والخضراوات الطازجة، الحبوب الكاملة والبروتين قليل الدهون.
ويوصى بشرب المزيد من السوائل على مدار اليوم، وذلك لأن التهاب البنكرياس من الممكن أن يؤدي إلى الإصابة بالجفاف.
