مراكش.. القاعدة الحصينة

02:32 صباحا
قراءة 4 دقائق

مراكش ثالث أكبر مدن المغرب بعد الدار البيضاء والرباط، وتسمى المدينة الحمراء نسبة إلى اللون الغالب على مبانيها، وهى تقع في وسط المغرب عند منطقة السهول المدارية، إلى الجنوب من الدار البيضاء.
يعود تاريخ بنائها إلى بداية قيام الدولة المرابطية كما ذكر كتاب «مراكش: التأسيس والتسمية.. دراسات ونصوص تاريخية» الصادر عن مؤسسة «آفاق» للنشر، إذ كانت بلاد المغرب الأقصى جنوبي وادي أم الربيع أراضى واسعة دون تنظيم إداري أو مراكز حضارية ذات شأن، فيما عدا مجموعة واحات كان أكبرها سجلماسة. وكانت تلك النواحي تعرف في جملتها ببلاد السوس. وكان أبوبكر ابن عمر تبين بعد أن دخل وادي تنسيفت واستقر فيه أن هذا الجزء الشمالي من أملاكه غير آمن أو محصن، وأنه يحتاج إلى قاعدة تكون حصناً للصنهاجيين الذين كانوا مهددين بالأخطار من الشمال من ناحية برغواطة، ومن الشرق من ناحية بني زيري أصحاب قلعة بني حماد. كما أن قبيلة مغراوة الزناتية كانت تبسط سلطانها على مدينة فاس وحوض نهر سبو. وقضى المرابطون على سلطان الزناتيين في سجلماسة، وتقدموا نحو بلاد مغراوة، وكان الصراع بين الجانبين قادماً بلا شك.
تلك كانت الأسباب التي حفزت أبوبكر ابن عمر على التفكير في إنشاء مراكش أو مروكش، ومعناها سور الحجر أو مدينة الحجر وهو القاعدة الحصينة، واختار أبوبكر ابن عمر لمدينته أو قاعدته موقعاً إلى جنوب السفوح الشمالية لجبال الأطلس وسط سهل يشقه المجرى الأعلى لنهر تنسيفت. وكانت الأرض منازل لقبيلتين من قبائل مصودة هما أوريكة وإيت إيلان أو هيلانة.


أرض صحراوية


بدأ أبوبكر ابن عمر في بناء مراكش عام 451ه /‏ 1060 م، وأتمها يوسف بن تاشفين الذي تولى رئاسة المرابطين، وكانت مراكش في أرض صحراوية منخفضة، فحفر لها يوسف الآبار، وجلب إليها المياه، ولم يكن يحيط بمراكش من الجبال سوى جبل صغير كانت تقطع منه الأحجار التي بنى منها يوسف قصره، أما باقي بناء المدينة فكان من الطوب اللبن.
وما كاد بناء هذه المدينة يتم حتى تحولت إلى أحد مراكز الحضارة والإسلام في جنوبي المغرب الأقصى، وكان لها أثر سياسي وحضاري في الناس في منطقة وادي تنسيفت. وتطورت مراكش بشكل سريع خلال العصر المرابطي، فأنشئت فيها المساجد والأسواق، واعتمدت في الحصول على حاجتها من الماء على مجار تحت الأرض أنشأها عرب أندلسيون، وظلت مراكش معتمدة على تلك المجاري زمناً طويلاً.
وظلت مدينة مراكش معسكراً حربياً، وقاعدة عسكرية لقوات المرابطين إلى أن حاصرتها قوات الموحدين بقيادة عبدالمؤمن بن علي عام 541ه /‏ 1147 م، فنزل بجبل إيكليز وهناك ضرب عبد المؤمن القبة الحمراء وبنى مسجداً وصومعة طويلة يشرف منها على مراكش. ثم زحف الموحدون بجموعهم إلى مراكش فوضع عبد المؤمن من الكمائن عند مدينته، فخرج جيش المرابطين لملاقاة الموحدين فتظاهر هؤلاء بالهزيمة ثم خرجت الكمائن على فرسان المرابطين وسحقتهم، وقتل ما لا يحصى عدده، واتبع الموحدون فلول المرابطين بالسيف إلى الأبواب، وأحكموا عليهم الحصار. وطال الحصار على أهل مراكش ثم ما لبث أن دخلها الموحدون بعد أن ماتت فانو بنت عمر بن بينتان وكانت تقاتل في زي الرجال، واستسلم الأمير وجملة من الأمراء.
وظلت مراكش عاصمة للموحدين حتى أيام الواثق بالله أبي العلاء إدريس المعروف بأبي دبوس الذي تحالف مع بني مرين، ليتولى الخلافة نظير تخليه لهم عن مدينة مراكش، فانتهز أبودبوس فرصة خلو الأسوار من حراسها وحاميتها وتسور مراكش من باب أغمات ودخلها على حين فجأة وقصد القصبة فدخلها من باب الطبول، وضعف شأن مراكش في عصر بني مرين لاتخاذهم مدينة فاس حاضرة لهم فتأثر عمرانها بذلك، وانخفضت مكانتها السياسية. ولكن مراكش استعادت مكانتها في عصر الأشراف السعديين كعاصمة للبلاد في الفترة (917-1069ه /‏ 1511 -1659م) وخصوصا في عصر السلطان أحمد بن محمد السعدي الملقب بالمنصور الذهبي(986-1012ه /‏ 1578 -1603 م) الذي أمهرها بأروع الأبنية التي أعادت ذكرى عصور الموحدين.


المواد الخام


بعد أن دخل العثمانيون تونس والجزائر، ظل المغرب طوال خمسة قرون وحتى أوائل القرن العشرين في منأى عن السيطرة العثمانية والأوروبية على الرغم من وقوع بعض الجيوب
الساحلية منه في يد البرتغاليين والإسبان، ونتيجة لذلك ظل للمغرب طابعه ومظهره كما ظلت أوضاعه ثابتة في حين كان العالم العربي في مجمله تحت الحكم العثماني. ولكن ذلك لم يستمر طويلا فتغلغل النفوذ الإسباني في مراكش بموجب معاهدة 1277ه /‏ 1861 م التي عقدها السلطان محمد بن عبدالرحمن مع إسبانيا، يضاف إلى ذلك أن مراكش تعرضت للتغلغل الأوروبي في أعقاب الوحدة الألمانية عام 1286ه /‏ 1870 م. وذلك عندما بدأت ألمانيا تعاني مشكلة عدم تملكها للمستعمرات أسوة ببريطانيا وفرنسا حتى تستطيع تصريف منتجاتها، والحصول على المواد الخام اللازمة لصناعتها وإنشاء أسواق لها فيها، ومن هنا بدأت ألمانيا تتطلع للبحث عن مستعمرات لها خارج أوروبا، ونتيجة لذلك بدأ التنافس بينها وبين فرنسا من أجل مراكش فتصدت فرنسا لهذه المحاولة وذلك بربط نفسها بعدة اتفاقات مع بعض دول أوروبا فعقدت اتفاقاً مع إيطاليا على أن تطلق إيطاليا يد فرنسا في مراكش مقابل أن تطلق فرنسا يد إيطاليا في طرابلس وبرقة. كما عقدت فرنسا اتفاقاً مع إسبانيا عام 1317ه /‏ 1900 م اتفقتا فيه على اقتسام الأجزاء الجنوبية من مراكش. وفي أوائل عام 1324ه /‏ 1906 م اتفق على عقد مؤتمر دولي في بلدة الجزيرة الخضراء لدراسة الأوضاع في مراكش، وفيه تم الاتفاق على الاعتراف بسيادتها وتقرر إنشاء قوة بوليسية من فرنسا وإسبانيا للمحافظة على الأمن فيها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"