«التنمر الإلكتروني».. فيروس يتنقل بين الشاشات

يزداد حدة مع انتشار الأزمات
02:02 صباحا
قراءة 5 دقائق
تحقيق: مها عادل

احتلت مواقع التواصل حيزاً أكبر، وأهمية قصوى في حياة البشر، منذ بدء أزمة «كورونا» حول العالم، لكن بعد مرور أشهر العزلة وبداية العودة التدريجية للحياة، رُصد تنامي ظاهرة «التنمر الإلكتروني» عبر مواقع التواصل بصورة عكرت صفو الكثير من العلاقات الاجتماعية على أرض الواقع، وأفسدت الكثير من علاقات الصداقة والقرابة.
تقول سحر شريف، موظفة بدبي: «معلوماتي عن التنمر كانت دائماً تنحصر في سلوكيات بعض الأطفال والمراهقين تجاه أقرانهم في المدرسة، ولم أكن أتصور يوماً أن يمتد هذا السلوك العدواني إلى حياتي وأسرتي، وأن أتجرع هذا الشعور بالمرارة والضيق. بدأت القصة معي عندما نشرت صورة خطبة ابني مع عروسه، بهدف أن يشاركني جميع أصدقائي ومعارفي مشاعر الفرحة والدعاء لهما بالسعادة والوفاق، وبالفعل قام غالبية المتابعين لصفحتي بتقديم التهاني والتبريكات والدعوات، ولكنني فوجئت بإحدى قريباتي من أسرة زوجي تكتب تعليقاً فيه سخرية وتهكم شديدين على الصور بسبب فارق الطول بين ابني وخطيبته خاصة أنها كانت ألمانية الأصل ويزيد طولها عنه بضعة سنتيمترات. وعندما حاولت ردعها برد مهذب، ثارت ضدي وابني ورشقتني بكلمات مهينة على الملأ بأنها في مقام عمة ابني ولا يجب أن أقول لها إن الأمر لا يعنيها، وأنه يرتكب خطأ ويبدو قزماً في الصور، وأن علاقته بخطيبته قائمة على المصلحة. واتسع الخلاف لتتدخل أطراف أخرى من الأسرة، وانحاز لموقفها البعض وانحاز لموقفي أغلبية الأهل والأصدقاء، وازدادت حدة الهجوم ووصل الأمر إلى ابني الذي تلقى الكثير من الإهانات والتهديدات بالمقاطعة من قبل أسرة والده المتوفى منذ سنوات، وتحول الأمر إلى شرخ في العلاقات الأسرية، انتقل من«فيس بوك» إلى عالم الواقع.
أما هبة أحمد،مدرسة مساعدة بإحدى الجامعات الخاصة بدبي، فتشاركنا ما تعرضت له عبر مواقع التواصل وتقول: «نشرت فيديو لابنتي الصغيرة (11 عاماً) في إحدى بطولات السباحة التي حققت بها تميزاً على أقرانها، وتقديراً لجهدها وإنجازها قمت بنشر بوست في صفحة مجموعة مغلقة على «فيس بوك» خاصة بزملائي وأصدقائي في الجامعة. ولكنني فوجئت بتعليق من إحدى زميلات الجامعة تلومني فيه بلهجة شديدة وتتهمني بسوء السلوك والجهل بأصول التربية السليمة، لأني أنشر صور ابنتي بملابس السباحة وأسمح لها بالظهور في البطولات بملابس السباحة الكاشفة، واتهمتني بعدم المسؤولية ورغم صدمتي في شخصيتها ورد فعلها،ورغم أنها تعرفني وتعرف أسرتي بالكامل، وأن سلوكياتنا محافظة وملتزمة إلا أنني حاولت في البداية أن أدافع وأشرح وجهة نظري، وأن ألومها لسوء ظنها، ولكن للأسف تحول البوست إلى ساحة معركة من التجاذب بين أعضاء المجموعة، وانقسمت الآراء بيننا وأصبح لكل فريق مناصرون يزيدون من حرارة النقاش وفظاظته ما دفعني في النهاية للخروج من المجموعة نهائياً. وانتقل الخلاف للحياة الواقعية عبر مكالمات هاتفية وتدخل أطراف وزملاء مشتركون في الخلاف الذي امتد أيضاً لمقر العمل وقد نصحني زوجي بمقاطعة مواقع التواصل نهائياً حتى لا تصلني هذه البوستات المستفزة من جانبها، وتسبب الأمر في قطيعة كاملة بين مجموعة من الأصدقاء والزملاء.


تغريدة وهجوم


يحذر كارم موسى،موظف بدبي، من التسبب بحسن نية في الوقوع فريسة للتنمر والإيذاء المعنوي عبر مواقع التواصل ويقول: «تعرضت عدة مرات في السابق لحالات من التنمر الإلكتروني، وكانت كلها من أشخاص لا أعرفهم على أرض الواقع، وكانت كلها عبارة عن إيذاء لفظي لمجرد الاختلاف في الرأي في مناقشة موضوع ما، ولكنني تخلصت من هذه السلوكيات عقب ضبط إعدادات الخصوصية الخاصة بصفحات التواصل الاجتماعي، ولكن ما أزعجني مؤخراً هو تعرضي لحملة من الهجوم والإيذاء النفسي من أحد أصدقائي وجيراني بسبب الاختلاف معي حول موضوع إحدى تغريداتي، رغم أن مضمون التغريدة كان شخصياً تماماً ولا يشكل أي تعد أو استفزاز لأحد، لكنني فوجئت بتعليق حاد منه ضدي وسرعان ما تطور الخلاف مع توالي الردود والتعليقات ووجدته يستغل قربه مني ومن بيتي وعائلتي، ليقوم بذكر معلومات شخصية في التعليقات ومواقف معينة بيننا، ليقلل من شأني على الملأ. وتواصل العتاب بيننا ليتحول إلى عنف على أرض الواقع، كاد أن يصل لحد الاشتباك بالأيدي، وامتنع أبناؤنا عن التواصل واللعب معاً، وانتهت صداقتنا التي استمرت سنوات بسبب خلافات في العالم الافتراضي، لذلك أنصح الجميع بالحرص في التعامل مع التعليقات المسيئة، خاصة لو كانت من المعارف والأهل والأصدقاء حتى لا تتسع دائرة الخلاف».


د. رشا عبدالرحمن: فعل عدائي مقصود



تطلعنا د. رشا عبد الرحمن، رئيس قسم علم النفس بجامعة عجمان، على رأي العلم في زيادة انتشار ظاهرة التنمر الإلكتروني مؤخراً وأسبابه ونتائجه وتقول: «التنمر الإلكتروني فعلٌ عدائي مقصود يقوم به المتنمر إلكترونياً باستخدام التقنية الحديثة ضد طرف آخر، بغرض إلحاق الضرر به مادياً، ومعنوياً، واجتماعياً ونفسياً، وذلك من خلال البريد الإلكتروني، ومواقع التواصل، وغرف المحادثات، وألعاب الإنترنت، والمدونات المختلفة».
وتضيف: يمكن اعتباره من أنواع التنمر الحديثة، طبقاً للتطورات التكنولوجية على مستوى العالم، والتحول من البيئة الاجتماعية التقليدية إلى البيئة الافتراضية التي لها مجتمعها الكبير، وبالتالي يعد هذا النمط من التنمر أشد خطورة، نظراً لاعتماده على البيئة الافتراضية التي تتسم بالانفتاح والانتشار الهائل وفرص التخفي وعدم المواجهة المباشرة مع الضحية، ما يمكن المتنمر من إلحاق الأذى المتكرر بالضحايا. وأشارت كثير من الدارسات إلى العلاقة بين التنمر الإلكتروني وظهور العديد من الآثار والاضطرابات النفسية والسلوكية، مثل الشعور بالاكتئاب، سلوك العنف، السلوكيات المنحرفة، تدني تقدير الذات، إدمان المواد المخدرة، الشعور باليأس والوحدة، وكذلك محاولات الانتحار. وبالنسبة لأسبابه فهي كثيرة جداً وتختلف باختلاف الخصائص والفئة العمرية للمتنمر، ومنها بشكل أساسي الابتزاز المادي، ولكن بافتراض تناول موضوع التنمر الإلكتروني لدى المراهقين والكبار فيمكن إجمال الأسباب في الرغبة في السيطرة والشعور بالقوة من خلال إيذاء الآخرين، الغيرة من نجاحات الآخرين، والرغبة في جذب الانتباه، وقد يكون المتنمر هو أحد الأفراد تعرض أساساً للتنمر من الآخرين.
توضح د.عبد الرحمن: يمكن القول إن سلوك التنمر ينتج لشعور الفرد بالإحباط، إذ إن هناك علاقة ارتباط بين الإحباط والعدوان، بمعنى أن مثير الإحباط يمثل عاملاً سببياً لاستجابة العدوان، فإذا منع الإنسان من تحقيق هدف معين شعر بالإحباط، وتولدت لديه استجابة للعدوان ينقلها إلى مصدر آخر بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، وهذا قد يفسر لنا الانتشار الرهيب للتنمر الإلكتروني في الفترة الأخيرة مع تداعيات جانحة «كوفيد -19»، والتزام الناس الحجر المنزلي، وعدم القدرة على ممارسة الحياة بالشكل المعتاد، والانخراط في الحياة الافتراضية بكل تفاصيلها، وزيادة الارتباط بمواقع التواصل والأنترنت، مما مثل ضغوطاً كبيرة على الأفراد كانت سبباً بالشعور بالقلق والاكتئاب والإحباط والذي تحول بدوره عند البعض إلى تنمر إلكتروني، باعتباره طريقة للتخلص من هذا الإحباط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"