هل تخرج اليونان من الاتحاد الأوروبي؟

03:34 صباحا
قراءة 4 دقائق

قمة جماعة العشرين التي انعقدت في مدينة (كان) الفرنسية وتحت رئاسة نيكولا ساركوزي، رفعت شعار أفكار جديدة لعالم جديد، لكنها انتهت بالأفكار القديمة نفسها للعالم نفسه الذي نعيش . صحيح أن قدراً من التفاؤل عبّر عنه الزعماء في نهاية قمتهم عن جدوى الحلول التي تبنّتها لمعالجة مشكلة مديونية بعض دول منطقة اليورو، لاسيما اليونان، لكن إرجاء اتخاذ القرارات الصعبة إلى اجتماعات وقمم مقبلة، يدل على أن العالم الجديد الذي وعدت به القمة مازال بعيداً، وأن المشكلات التي تعهدت بحلها ماتزال مطروحة وربما تتجه إلى مزيد من التفاقم .

في العام الماضي وصلت أزمة المديونية في منطقة اليورو إلى درجة من الخطورة استدعت قمماً واجتماعات أوروبية على كل المستويات انفجرت فيها خلافات بين الزعماء الأوروبيين هددت بانفراط عقد الاتحاد برمته . فألمانيا ضاقت ذرعاً بصرف أموالها على المحتاجين في أوروبا، ما اضطر فرنسا إلى ممارسة الضغوط الهائلة على شريكتها للاستمرار في تقديم التضحيات إنقاذاً للاتحاد الأوروبي الذي يجد فيه الألمان مصلحة اقتصادية وسياسية ومعنوية . لكن فرنسا نفسها، بعد إسبانيا والبرتغال وإيرلندا وإيطاليا مؤخراً، أضحت مهددة بالوقوع في شرك العجز الخزيني، الأمر الذي استدعى حكومتها إلى الإعلان عن إجراءات تقشف جديدة . والأزمة اليونانية لاتزال على نار حامية رغم كل الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي في العام الماضي لإنقاذ اليونان من الإفلاس الذي يتهدّدها والذي قد يجر إفلاسات متتالية في كل أوروبا . وبعد اتخاذ قمة بروكسل في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قرارات غاية في الأهمية للتصدي لمشكلة اليونان المالية، فإن بريقاً من الأمل لاح في سماء منطقة اليورو . لكن إعلان رئيس الوزراء اليوناني باباندريو عن إجراء استفتاء شعبي قبل إقرار هذا المشروع الذي صوتت عليه بالإجماع دول منطقة اليورو السبع عشرة، قرع جرس إنذار خطر، لأنه يطرح إمكانية خروج اليونان من منطقة اليورو . فألمانيا وفرنسا أعلنتا رفضهما الدخول في لعبة، حيث تعود أثينا إلى التفاوض بحثاً عن تسهيلات ومساعدات أوروبية جديدة، كما سبق وفعلت آيسلندا التي رفضت بعد الاستفتاء دفع ديونها المستحقة . فتكرار التجربة الآيسلندية في اليونان سوف يفتح شهية دول أوروبية أخرى لفعل الشيء نفسه، الأمر الذي يعرض الاتحاد الأوروبي للانهيار تحت وقع مشكلاته الاقتصادية المتراكمة . وباختصار فإن الاستفتاء اليوناني يعني استفتاء على بقاء أو خروج اليونان من الاتحاد، كما أعلن ساركوزي وميركل اللذان أضافا، في قمة العشرين، أن أثينا لن تحصل على قرش واحد قبل إزالة الضباب عن مشروع الاستفتاء .

في الحقيقة منذ ولادتها في عام 1957 (معاهدة روما التي أنشأت المجموعة الاقتصادية الأوروبية)، إنها المرة الأولى التي تطرح فيها أمام أوروبا مسألة بهذه الخطورة . وتسمح المادة خمسون من معاهدة لشبونة الأوروبية لكل دولة عضو، تماشياً مع قواعدها الدستورية، بالانسحاب من الاتحاد . في هذه الحال فإن على الدولة المعنية إعلام المجلس الأوروبي بقرارها، وهذا المجلس عليه إصدار التوجيهات الآيلة إلى تأمين سلاسة المسار . ثم تنعقد مفاوضات تنتهي باتفاق يحدد طرائق ومراحل الانسحاب . لكن المفارقة أنه إذا كان ثمة نص واضح حول الانسحاب من الاتحاد الذي يضم سبعاً وعشرين دولة، إلا أنه ليس هناك من نصوص تتحدث عن الانسحاب من العملة الموحدة . والسبب، كما يقول المحللون، أن معاهدة ماستريخت التي أنشأت الاتحاد الأوروبي، تتعاطى مع المسار الاتحادي على أنه لارجعة فيه . ولكن هل من الممكن مثلاً الانسحاب من العملة الموحدة مع البقاء في الاتحاد، لاسيما أن أعضاء في هذا الأخير لايزالون خارج منطقة اليورو؟

يقول المصرف المركزي الأوروبي، في دراسة قانونية نشرها في عام ،2009 إنه من غير الممكن الخروج من اليورو من دون الخروج من الاتحاد في الوقت نفسه . بمعنى أنه إذا قررت اليونان الانسحاب من اليورو والعودة إلى الدراخما فإن عليها في الوقت نفسه الخروج من الاتحاد الأوروبي .

إنه مأزق حقيقي، لكن أوروبا تعودت إيجاد الطرق الكفيلة بالخروج من المآزق . فمن الممكن إجراء مراجعة جديدة لبعض المعاهدات الأوروبية من أجل السماح لليونان بالخروج من اليورو مع البقاء في الاتحاد . هذه المراجعة قد تأخذ شكل بروتوكول ملحق بالمعاهدات الأوروبية تمنح اليونان وضعاً استثنائياً، (ألم تحصل دول أوروبية عديدة، مثل بريطانيا والسويد وآيسلندا وأيرلندا، على استثناءات منصوص عنها في عدد من المعاهدات؟)، في ما يتعلق باليورو مع كل ما يترتب على ذلك من تعديلات قانونية؟ لكن ذلك يتطلب موافقة إجماعية من دول الاتحاد، الأمر الذي يصعب تأمينه في الوقت الحاضر . لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من الممكن، على غرار ما يجري في بعض المنظمات الدولية والإقليمية، طرد أو إلزام أعضاء بالخروج من المنظمة في حالات معينة محددة؟ هذا غير موجود في قوانين ومعاهدات الاتحاد الأوروبي الذي لا يستطيع، في أي شكل من الأشكال وبأي ذريعة من الذرائع، طرد أي عضو فيه أو إلزامه التخلي عن اليورو .

قد تسحب الأزمة اليونانية من التداول بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أثينا، لكن أزمات جديدة ستعود إلى التداول في نظام مالي عالمي بات محتاجاً إلى المراجعة . والمؤسف بالنسبة إلى الأوروبيين أنه بدل أن يتقدم اتحادهم في طريق الدستور المشترك والسياسة الخارجية والدفاعية المشتركة، فإن بقاءه على قيد الحياة بات موضع شكوك وتساؤلات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"