الغزو التركي ومواقف الآخرين

04:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية ليس إلا خدمة السياسة «الإسرائيلية» ومصالحها في المنطقة وليس مصالح دول المنطقة.
كتب وزير الدفاع التركي الجنرال خلوصي على «تويتر»: إن «عيوننا لا تنظر إلى أراضي الآخرين، ولكننا سنفقأ العين التي تنظر إلى أرضنا»، وأرفق كلامه بخريطة لتركيا تضم أجزاء من سوريا والعراق، بما فيها الموصل وكركوك وأربيل. يتزامن هذا الكلام مع الاجتياح التركي للأراضي السورية، واعتزام تركيا إقامة «منطقة آمنة» بموافقة أمريكية بحجة ملاحقة حزب العمال الكردي التركي.
وعلى الرغم من أن التوسع التركي في سوريا اعتبره الرئيس أردوغان مؤقتاً، فإن النهم التركي على ذلك المثلث النفطي في العراق وسوريا يكشف نيات الترك في الأرض العربية والتواطؤ الدولي، خصوصاً من قبل واشنطن والدور المريب لروسيا التي تحاول أن ترث الدور الأمريكي بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا. فثمة فرق بين الدور الروسي الحالي الذي يحاول الإمساك بأوراق الأزمة التركية - السورية وبين الموقف الروسي قبل الغزو الأمريكي للعراق، حيث كان الموقف الروسي سلبياً تجاه بغداد.
ربما تكون الظروف الدولية تغيرت عن تلك التي سادت إبان الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، لكن ما نراه أن روسيا تريد حماية مصالحها وحماية النظام السوري وليس الأرض السورية، بينما تتجه واشنطن لحماية حليفتها «إسرائيل» فقط، والإبقاء على تحالفها مع تركيا في آن، وإهمال الدور الإيراني في الخليج والعراق وسوريا، إلا من زاوية ما يؤثر في دولة الاحتلال «الإسرائيلي». فقد قلل وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو، من تأثير الانسحاب من سوريا في حرية العمليات «الإسرائيليّة» في سوريا، قائلاً، «كانت إدارتنا واضحة للغاية حول أن لإسرائيل الحق الأساسي في الانخراط في أي نشاط يضمن أمنها. ليس من حقّها فقط، بل واجبها». وكلام الوزير مهم، لأنه يكشف عن أن الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية ليس إلا خدمة السياسة «الإسرائيلية» ومصالحها في المنطقة، وليس مصالح دول المنطقة.
كما قال بومبيو: إنه يأخذ «التهديدات الإيرانية في المنطقة على محمل الجدّ، وهناك احتمال أن يحاول النظام الإيراني الهجوم على (إسرائيل)، بالطريقة ذاتها التي تم الهجوم فيها على السعوديّة»، بمعنى آخر أن الوزير الأمريكي لا يعتبر الهجوم الإيراني على منشآت أرامكو في السعودية يستحق رداً أمريكياً، فما يخشاه بومبيو هو تعرض «إسرائيل» لهجوم مماثل.
وأضاف بومبيو أن الولايات المتحدة ستبقى تراقب عن كثب الحدود العراقية - السورية «للمساعدة في منع نقل سلاح إيراني»، وعلل ذلك بالقول: «نعلم أن هذه المنطقة تحاول فيها إيران نقل أنظمة عسكرية إلى سوريا ولبنان تهدد إسرائيل، ونحن سنستمر في فعل كل شيء باستطاعتنا فعله للتأكد من أن لدينا القدرة على تحديد هذه الأنظمة، حتى نستطيع الرد بالشكل المناسب»، أي أن الوزير يعترف بأن الرد الأمريكي سيكون فورياً في حالة نقل إيران أسلحة إلى سوريا من العراق، لأن هذا يهدد الكيان «الإسرائيلي»، أما تهديد دول الخليج، فلا يستحق الرد الأمريكي، وفقاً لما نفهمه من أقوال الوزير الأمريكي.
وكان بومبيو زار تل أبيب، والتقى نتنياهو بهدف طمأنة دولة الاحتلال بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا. وينظر إلى زيارة بومبيو في أعقاب وقف إطلاق النار في شمال سوريا، على أنها محاولة لتهدئة مخاوف الأجهزة الأمنية في «إسرائيل» من أن سحب القوات الأمريكية يمكن أن يعرضها لهجمات إيران.
ووصل بومبيو إلى تل أبيب بعد أن تفاوض هو ونائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، في أنقرة، على اتفاق أتاح تعليق تركيا عملياتها العسكرية في شمال شرق سوريا، غير أن هذا الاتفاق أثار انتقادات، حيث اعتبره كثيرون تخلياً عن حلفاء واشنطن الأكراد.
نظرة إلى المشهد الآن تؤكد أن المصالح العربية ليست في حسبان أي من القوتين العظميين روسيا والولايات المتحدة، وأن تركيا الحليف لواشنطن ظلت علاقاتها مع الإدارة الأمريكية على ما يرام على الرغم من تبادل الشتائم الدبلوماسية والتهديدات في بداية الزحف التركي داخل الحدود السورية، وأن أردوغان بقي حليفاً لترامب، بينما تضطلع روسيا بدور «قوات سلام» للفصل بيت قوات البلدين داخل المناطق الحدودية، وظلت محافظة على مصالح إيران في سوريا ومصالح تركيا أيضاً. أما الجيش السوري الذي كان قد فقد السيطرة على شمال شرق سوريا، فإنه يعود إلى معظم الأراضي هناك، بالاتفاق مع قوات «سوريا الديمقراطية» على أمل استعادة المنطقة إلى الجغرافيا السورية، وعودتها إلى حضن الوطن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"