الاتفاق الأمريكي ـ الصيني.. هدنة أم حل نهائي؟

02:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إكرام بدرالدين *

شهدت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية عهد الرئيس ترامب، تحولات مهمة سياسية واقتصادية، سواء على مستوى الداخل أو على مستوى السياسات الخارجية الأمريكية في العالم.
من هذه المتغيرات والتحولات ما يتعلق بالتأمين الصحي والمهاجرين للولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصاً من المكسيك الجار الشمالي، وما ارتبط بذلك من بناء الجدار العازل، وربما كانت الرؤية التي يستند إليها الرئيس الأمريكي ترامب في سياساته؛ هي الرغبة في تدعيم الاقتصاد الأمريكي، وتوفير فرص عمل للمواطنين الأمريكيين، والحد من منافسة أطراف خارجية في الأسواق الأمريكية، وهو ما ينعكس سلباً على الأسواق الأمريكية، ولعل هذا ما دفع إلى اتخاذ إجراءات حمائية، وفرض رسوم على الواردات إلى الولايات المتحدة، على الرغم من تعارض ذلك مع قيمة الحرية التي تنطوي عليها الديمقراطية الليبرالية، سواء كانت هذه الحرية في المجال الاقتصادي أو في المجال السياسي.

حرب على كل الجبهات

ربما كان الرئيس ترامب متأثراً إلى حد كبير في قراراته بخلفيته كرجل أعمال يحكمه دائماً منطق الربح والخسارة، وهو ما سيطر إلى حد كبير على قراراته وسياساته في الداخل والخارج، ومن ذلك المنظور يمكن تفسير ما اتبعته الولايات المتحدة من إجراءات حمائية وزيادة في الجمارك على الواردات من الدول الأخرى، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي نفسها، والتي تعد حليفة للولايات المتحدة في إطار حلف الأطلسي، وتمت زيادة الجمارك على الواردات من هذه الدول، وردت أيضاً بفرض عقوبات وزيادة رسوم على السلع الأمريكية، مما أسهم في إيجاد ما يشبه بالحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة، إلا أن خطر هذه الحروب التجارية على الإطلاق كان بين الولايات المتحدة والصين.

المجابهة الأمريكية الصينية

على الرغم من أن الولايات المتحدة، يمكن النظر إليها باعتبارها القطب الوحيد في عالم اليوم من الناحية السياسية والعسكرية فإن الصين تمثل قوة كبرى في العالم من الناحية الاقتصادية، وتغزو بمنتجاتها العالم ككل، بما في ذلك الولايات المتحدة، وربما تسعى الصين إلى أن تكون القطب الأعظم اقتصادياً خلال فترة وجيزة لا تتجاوز سنوات قليلة، وربما هذا ما دفع الولايات المتحدة إلى الشعور بالقلق من النمو المتزايد والمتسارع للاقتصاد الصيني، وما يمكن أن يمثله من منافسة للولايات المتحدة داخل الأسواق الأمريكية ذاتها، ولعل ما يزيد من خطورة المجابهة والحرب التجارية الأمريكية الصينية أن هذه المجابهة لا تؤثر في طرفيها فقط، أي (الصين والولايات المتحدة)؛ بل يمتد تأثيرها السلبي إلى الاقتصاد العالمي ككل، والذي شهد نوعاً من التباطؤ في النمو؛ حيث هناك خطر وتأثيرات سلبية محتملة على الاقتصادات والأسواق الناشئة، وهذه هي الخطورة الحقيقية، والتي ترجع إلى الحرب التجارية بين عملاقين اقتصاديين؛ هما: الولايات المتحدة والصين؛ حيث سعت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب خلال العامين المنصرمين إلى الضغط على الصين؛ لكي تحدث تغيرات في سياساتها المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، ونقل التكنولوجيا إلى الشركات الصينية، وهو ما يعني من وجهة النظر الأمريكية أن الصين تقوم بممارسات تجارية غير عادلة تستوجب الرد والعقاب، وأدى ذلك إلى قيام الولايات
المتحدة والصين بزيادة الرسوم الجمركية المفروضة على واردات إحداهما للأخرى، ما أدى إلى تصعيد في الحرب التجارية بين الدولتين؛ حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً نسبتها 15% على واردات صينية تتجاوز قيمتها 125 مليار دولار، تشمل الهواتف الذكية ولوازمها، والأحذية وغيرها.
ومن جانبها، فرضت الصين رسوماً إضافية على الواردات الأمريكية، وصلت إلى 15%؛ وذلك منذ 15 سبتمبر/أيلول 2019، وقامت الولايات المتحدة بالرد على ذلك في شكل زيادة الرسوم إلى 15% على الواردات الصينية، وأدخلت سلعاً جديدة في هذه الزيادة مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والملابس، ولعب الأطفال ما يعني تصاعداً مهماً في وتيرة الحرب التجارية بين الدولتين.

التوجه نحو الحل

نظراً لما أظهرته الحرب التجارية الأمريكية الصينية من خطورة كبيرة، وآثار سلبية على طرفيها، وعلى اقتصادات وأسواق دول أخرى، أو على الاقتصاد العالمي ككل؛ فقد بدأ التوجه نحو جهود نزع فتيل الحرب التجارية بين الدولتين الكبيرتين؛ من خلال الوصول إلى حل لهذه الحرب التجارية حتى لو كان الحل جزئياً، وهو ما تحقق بالفعل في أكتوبر/تشرين الأول 2019؛ حيث تم الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين على اتفاق أولي أو جزئي يشمل سلعاً زراعية، وبعض جوانب الحماية الفكرية، وهو ما يحقق تفادي أو على الأقل إرجاء تنفيذ تهديدات الجانب الأمريكي بزيادة أكبر في الرسوم الجمركية، وهو ما يمكن اعتباره خطوة مهمة نحو الوصول إلى حل للحرب التجارية بين الدولتين، وربما هذا ما دفع الرئيس ترامب لأن يصرح للصحفيين أن الجانبين (الأمريكي والصيني) قد اقتربا من إنهاء الحرب التجارية، وقد شهد هذا الاتفاق المرحلي أو الجزئي ترحيباً من الدول والمؤسسات الاقتصادية الدولية، وخصوصاً نتيجة لتوقف الولايات المتحدة عن فرض زيادات جديدة في الرسوم على السلع الطبية.
ويلاحظ، أنه في مثل هده الحرب التجارية بين عملاقين اقتصاديين في العالم فإنه يوجد أكثر من متغير، وكل متغير يمكن أن يدفع في اتجاه مختلف، كما تختلط الاعتبارات السياسية بالاعتبارات الاقتصادية إلى حد كبير؛ ولذلك يمكن أن يثار تساؤل حول ما إذا كانت العقوبات الاقتصادية على الصين أو الضغوط الاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة هي نتيجة لاعتبارات ومنافسات اقتصادية فقط، أم أن هناك أبعاداً سياسية أيضاً، ومن ذلك ما يثار عن حدوث انتهاكات داخل الصين لحقوق الإنسان، وطبيعة نظامها السياسي، والذي يختلف إلى حد كبير عما تألفه الولايات المتحدة والدول الغربية، كذلك فإن الصين باعتبارها قوة اقتصادية وتجارية عظمى في القارة الآسيوية يمكن أن تهدد بحدوث تغيرات سياسية واستراتيجية كبرى، قد تمثل تهديداً مستقبلياً للولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، وفي الوقت نفسه قد يكون من الصعب أو من المستحيل أن توقف الدول الغربية تعاملاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، وهو ما يثير التساؤل حول مدى فاعلية الضغوط التجارية والاقتصادية على الصين، ويدفع للبحث عن حل للحرب التجارية، ويمكن أخيراً الإشارة إلى سيناريوهات متوقعة؛ وهي:
1- استمرار الأمور على ما هي عليه والتوقف مؤقتاً عند الحل الجزئي.
2- تطوير الحل الجزئي ليصبح حلاً شاملاً وتتوقف الحرب التجارية.
3- أن يستمر التوجه نحو حلول جزئية متعددة، وباكتمالها يتحقق الحل الشامل.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"