شيماء المرزوقي
في عام 1980 نشر كتاب تحت عنوان «المعرفة والقرارات» من تأليف توماس سويل، جاء فيه: «عندما كان ناتج مصانع المسامير في الاتحاد السوفييتي يُقاس بالوزن، كانوا يصنعون مسامير كبيرة ثقيلة، حتى حين ظل كثير من هذه المسامير الكبيرة على الأرفف لا يُباع بينما البلاد تَجأَر بطلب المسامير الصغيرة».
ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، ضم 16 دولة، وفي عام 1991 انهار هذا الاتحاد واستقلت تلك الدول وباتت روسيا هي الوريث لهذا الاتحاد. هذه المقولة التي ساقها هذا المؤلف وتحدث خلالها عن جانب من جوانب الصناعات، التي تنتج عنصراً يدخل في كثير من علميات البناء والتعمير، وفي مجالات أخرى حيوية، والحاجة إليه ملحة حتى يومنا هذا، وهي المسامير، توضح كيف أن قراراً صغيراً وبسيطاً ومتواضعاً وهامشياً أثر بشكل مدوٍ في مجمل هذه الصناعة، وحدث بسببه في نهاية المطاف تعثر وخلل بالغ ومؤذٍ في مسيرتها.
والخطأ الذي حدث هو في وضع معيار غير دقيق وغير موضوعي ولا منطقي لقياس الإنتاجية، وتمثل هذا في عملية الوزن، هذا المعيار على بساطة الهدف المطلوب منه وهو معرفة حجم الإنتاج، سبب خللاً كبيراً، فكان من الطبيعي أن يحدث انحراف في مجمل أهداف هذه الصناعة، بما أن الهدف هو الوزن، فالذي حدث أنه تم التركيز على صناعة المسامير الكبيرة لتكون أثقل، وهنا نفهم أيضاً سبب كون تلك المسامير كانت أثخن، فالهدف أن تغلب كفة الميزان عند وضعها عليه.
المعيار كان سليماً وغايته أن يوضح النجاح وأن عملية الإنتاج تسير بإنتاجية كبيرة ومثمرة، لكن كانت هذه الحيوية على حساب الجودة والمهارة والابتكار والتنويع، وفي نهاية المطاف الذي حدث هو إغراق الأسواق بنوع واحد من المسامير كبيرة الحجم، بينما حاجات الناس متنوعة ومتباينة؛ بل إن الحاجة إلى المسامير الكبيرة قد تكون أقل من غيرها من أنواع ومقاسات أخرى من هذه المسامير. هذه القصة مناسبة لإسقاطها على كثير من مفاصل حياتنا الاجتماعية، ويمكن أن تكون مثالاً مناسباً من خلاله ننطلق لمعرفة جوانب مهمة، سواء داخل منازلنا أو في مقار عملنا، أو نحوها من مفاصل وجوانب المجتمع، نزج بإطار نعتقد أنه ينظم ويؤدي إلى الترتيب وهو في الحقيقة يحدث فوضى، والمطلوب هو عدم الحماس والتعصب في إطلاق قوانين صارمة قد تكون نتائجها مؤذية.
لنتقبل ونتفاهم ونتحاور، ونقيس ونفهم كل قرار نصدره، ونعرف الإيجابيات والسلبيات قبل تنفيذه.
