الانتخابات الأمريكية واستطلاعات الرأي

01:07 صباحا
قراءة 4 دقائق

د.غسان العزي

على بعد أيام باتت معدودة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لا تزال استطلاعات الرأي تجمع على تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن، على منافسه الجمهوري الرئيس ترامب، على المستوى الوطني، وبعدد كبير من النقاط يصل إلى التسع. وقد سبق لاستطلاعات الرأي أن توقعت فوز هيلاري كلينتون على دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2016، لكن ما حصل هو العكس، فهل تصدق هذه المرة، أم تكرر الخطأ نفسه؟

 في الحقيقة منذ انطلاق المعركة الانتخابية بين الرجلين لا تزال التوقعات تعمل لمصلحة بايدن، لكن المعروف أن المرشح لا يدخل البيت الأبيض إلا إذا استحوذ على أغلبية الناخبين الكبار على مستوى الولايات، ولو من دون الحصول على الأغلبية الشعبية على المستوى الوطني العام. هذا على الأقل ما حصل لترامب الذي تخلف عن كلينتون بثلاثة ملايين صوت تقريباً، على المستوى الوطني الأمريكي، لكنه فاز في الانتخابات لأنه تفوق عليها في مستوى الولايات.

 هذه المرة هناك ست ولايات تعتبر متأرجحة «سوينجز»، أي أنها تقلب الميزان لمصلحة المرشح الذي يفوز فيها، وهي: فلوريدا، وكارولاينا الشمالية، وأريزونا، وويسكونسن، وبنسلفانيا، وميشيجن. وحتى في هذه الولايات يتقدم بايدن على ترامب، ولو أنه في بعضها يقع رقم تقدمه ضمن هامش الخطأ كما في فلوريدا (+١،٤ نقطة)، أو ميشيجن (+٧،٢ نقطة). والسؤال لماذا أخطأت استطلاعات الرأي في الانتخابات السابقة؟

 في الواقع عشية انتخابات عام 2016 نجحت استطلاعات الرأي في تقديم صورة حقيقية عن المشهد الانتخابي، ولم تخطئ في وصفه، لاسيما عندما أكدت تقدم هيلاري كلينتون بملايين الأصوات على منافسها ترامب، لكنها أخطأت في بعض الولايات المتأرجحة في الوسط الغربي (المد وست) التي منحت الفوز لترامب. ومن أسباب هذا الفشل خطأ في تكوين العينات التي لم تضم بشكل كاف الناخبين البيض من غير الحائزين على شهادة جامعية، والذين صوتوا في النهاية وبكثافة لافتة لترامب. واليوم تؤكد معاهد الاستطلاع أنها صححت هذا الخطأ المنهجي وأزالت «هذه الزاوية الميتة».

 وتلاحظ معاهد الاستطلاع أن الأشخاص المستفتين يبينون عن ثبات واضح هذه المرة، فمنذ الربيع الماضي لا يزال بايدن يحافظ على تفوقه الذي لم يتراجع إلى اليوم عن أربع نقاط. وبالمقارنة، فإن نتائج استطلاعات الرأي في انتخابات عام 2016 كانت نتائجها تشبه أسنان المنشار، بمعنى أن كلينتون كانت تتقدم فيتراجع ترامب، والعكس، بالعكس. هذه المرة يبدو البلد شديد الاستقطاب، والانقسام، وهناك أغلبية واضحة من الناخبين الذين حسموا خيارهم بالتصويت لهذا المرشح، أو ذاك، في حين تراجع كثيراً عدد المترددين، أو الذين يمكن أن يغيروا رأيهم في اللحظة الأخيرة.

 وقد أجرت صحيفة «النيويورك تايمز» عملية حسابية، ولاية بولاية، خلصت بموجبها إلى أنه حتى لو أخطأت معاهد استطلاع الرأي هذه المرة، كما فعلت في الانتخابات السابقة، فإن بايدن سيفوز حتماً، وبفارق كبير. حتى أنها توقعت فوزه بولاية تكساس، وهي قلعة جمهورية حصينة، ما يترجم بتسونامي لمصلحته لن يتمكن ترامب من تعويضه حتى لو فاز بولايات متأرجحة «سوينجز» تقليدياً مثل بنسلفانيا، أو نيفادا.

 «النيويورك تايمز» معادية لترامب، لكن «معهد ترافالجار» القريب من الحزب الجمهوري والذي يفتخر بمنهجيته العلمية كان الوحيد الذي توقع فوز ترامب في عام 2016. هذه المرة يتوقع هذا المعهد فوز بايدن بولايات أساسية مثل ويسكونسون، وبنسلفانيا. ويقول إن رجل الأعمال ترامب كان حديث العهد في السياسة في الانتخابات الماضية، وهذا النوع من المرشحين يصعب على الناخبين اتخاذ القرار بشأنهم. لكن اليوم كل مواطن بات له رأي بكل من المرشحين المتنافسين المعروفين منه تماماً، وبالتالي فلن يكون هناك مفاجأة حول ترامب.

 يبقى أنه رغم كل شيء، هناك في كل الانتخابات هوامش خطأ قد تتسع أو تضيق، فالمعركة الانتخابية دينامية تتأثر بالأحداث المتقلبة والمفاجئة وبما يحدث في اللحظات الأخيرة. فقبل انتخابات عام 2016 بأسبوع تقريباً، توقعت توليفة لكل استطلاعات الرأي وبنسبة ٨٦% أن تفوز هيلاري كلينتون. واليوم هذه الانتخابات لا تشبه سابقاتها، كما أن نسبة التسجيل على اللوائح الانتخابية تتغير بشدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان توقع نسبة المشاركة الشعبية في التصويت.

 ترامب الذي يردد أن «استطلاعات الرأي أخطأت في المرة السابقة وستخطئ هذه المرة» يراهن كثيراً على مهرجاناته الانتخابية التي يطغى عليها الطابع الجماهيري الحماسي. ولكن هل يترجم ذلك نفسه في صناديق الاقتراع؟

 يبقى هناك مجهول: تأثير الجائحة التي تصدرت موضوعات المعركة الانتخابية. كذلك التصويت عن بعد الذي وصل إلى مستوى تاريخي غير مسبوق، ولا أحد يعرف كيف سيكون تأثيره في النتائج، رغم أن ترامب يتوجس منه شراً، ويلمّح إلى الطعن في النتائج إذا لم تأت في مصلحته. هذا التصويت عن طريق البريد يضاف إلى عناصر أخرى يصعب على استطلاعات الرأي حسابها بدقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"