حق الأمة العربية على مجلس التعاون

05:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

مازال الإنسان يحار تجاه تعامل مجلس التعاون الخليجي مع دوله الأعضاء كمجموعة لها مصالح واستراتيجيات وساحات أنشطة مشتركة من جهة، وكدول منفردة لها قضاياها وأهدافها ومصالحها الخاصَّة بها من جهة ثانية . وبالرَّغم من مرور ثلاثين سنة على إنشاء المجلس، فإن الحدود التي تفصل العام عن الخاص في المجلس لاتزال غامضة وغير مستقرَّة في ثوابت يعرفها الجميع ويلتزم بها الجميع .

مناسبة طرح هذا الموضوع الشَّائك الحسّاس هو المواقف المرتبكة والمتناقضة أحياناً تجاه ما أفرزته ثورات وحراكات الربيع العربي . لن نتعامل اليوم مع الأمثلة الواضحة التي يعرفها القاصي والدَّاني، من مثل المواقف الإعلامية المتضادة من هذه الثورة أو تلك، أو التعديلات المتباعدة من هذا الرئيس المخلوع أو ذاك، أو الاندماج الكامل في آليات التدخُّلات الخارجية أو رفضها، أو التَّباينات في مواقف الدَّعم بالمال والسِّلاح وبالدبلوماسية النَّشطة الوظيفية لهذه المعارضة أو تلك، والأمثلة لاتعدُّ ولا تحصى .

لكنَّنا اليوم نود إبراز موضوع نعتقد أنه من أخطر الموضوعات، لأنه ليس بعابر ولا مؤقَّت وإنَّما سيضرب في أعماق المستقبل، وستكون له تأثيراته في الأبعاد السياسية والأمنيّة والثقافية عبر الوطن العربي . هذا الموضوع يتعلق بصعود الإسلام السياسي في حياة مجتمعات ما بعد الثورات والحراكات .

إن ذلك الإسلام السياسي سيتمثَّل في نوعين مختلفين من الأيديولوجيا السياسية، أحدهما يريد العيش في الماضي، والانكفاء داخل تاريخ متخيَّل، والتعامل مع حاضر الأمة بصلابة وتزمُّت، وإعلاء للمظهر على الجوهر، والرَّفض التام لأية تعددية فقهية وثقافية وسياسية واجتماعية . وهو بذلك، بقصد أو بغير قصد، يدفع نحو التطرّف والعنف والاستعمال الخاطئ لمقاصد الدين الإسلامي الحق العادل المتسامح المحاور، ومن ثَمَّ إيذاء مكانة وسمعة معتنقيه .

وثانيهما، بدأ يقبل الكثير ما كان في السابق يرفضه من مبادئ معقولة في الأيديولوجيات الأخرى، ويتعامل مع العصر بعقل محاور وأخذ وعطاء، ويعرف أن التاريخ هو للاستفادة والعبر وليس للهيمنة على الحاضر والمستقبل، ويفهم الدّين الإسلامي على أنه سيرورة قراءات متباينة بدأت ببعثة النبيِّ المبلَّغ المجتهد العبقري، صلَّى الله عليه وسلَّم، ولن تنتهي إلاَّ بقيام السَّاعة . إنه تيار، وليس حركة واحدة، ينجح ويبدع في مكان ويفشل في مكان آخر، ولكنه كما يظهر يحاول أن يخرج من قوقعة التزمَّت والتخلُّف التي يريد أن يحبسه فيها البعض .

أمام هذا المشهد الذي ستكون له تأثيراته الكبرى في مستقبل الأمة يتساءل الإنسان: أين سيقف مجلس التعاون الخليجي بمجموعه؟ وهو سؤال بالغ الأهمية، لأنّ البعض متَّهم، بدلائل كثيرة، بأنَّه وراء التبشير بالأيديولوجية السياسية للتيِّار المتزمِّت الأول، وراء إسناد أصحابه بالمال والإعلام والتعاون القوي الخفي الذي يحرج أصحاب تيار الأيديولوجية الثانية، ويزجُّ بهم في متاهات فقهية ومسلكية غوغائية، وبالتالي ينهك قواهم السياسية والتنظيمية .

إن هذا البعض متَّهم بأنه يريد من خلال دعم التيَّار الأول، تقويض أو تأخير انتقال الوطن العربي إلى الديمقراطية السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية الحقيقية المبنيّة على أسس الحرية والمساواة والعدالة والمواطنة وحقوق الإنسان، بما فيه المرأة والتوزيع العادل للثروات وتبادل السلطة .

إن مجلس التعاون يحتاج إلى أن يتبرَّأ من هذه التُّهم، وأن يؤكد لأمته العربية أنه في صفِّ التقدم والإصلاحات الكبيرة، وأنه ضدَّ الظلم، ولذلك فهو يحترم الأشخاص والمؤسسات طالما يختارها الناخبون العرب بحريَّة ونزاهة، وأنه سيضع ثرواته الهائلة في خدمة تسهيل انتقال الأقطار العربية من وضعها المفجع السابق إلى وضع حداثي ديمقراطي جديد .

ما يجب أن يكون واضحاً هو أنه ليس من الإنصاف أن يُضحَّى بتقدُّم وتجدُّد وإصلاح المجتمعات العربية الأخرى في سبيل انتظار قد يطول حتى تنضج بعض المجتمعات لتكون مهيَّأة للالتحاق بركب التغيُّرات الكبرى التي يشهدها الوطن العربي في ربيعه الحالي .

هل نطلب المستحيل عندما نطلب تغليب العقل والمصلحة القومية والقيم وروح الإسلام العادلة عند تعامل المجلس مع ربيع إخوته في العروبة والإسلام؟ فإذا كنا لا نستطيع أن نكون مُعينين ومسهِّلين، فلنكن على الأقل غير معيقين وغير مساندين لقوى الصراعات الطائفية وأصحاب القراءات الخاطئة لرسالة السماء الإسلامية، ولقوى حرف الثورات العربية عن أهدافها الإنسانية الكبرى إلى أهداف هامشية غوغائية استبدادية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"