احتمالات التحول في سياسة واشنطن

23:40 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

على الرغم من أن النتائج التي ستكشفها صناديق اقتراع الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي التي ستحدد اتجاهات التغيير التي ستحدث في السياسة الأمريكية داخلياً وخارجياً، إلا أن انتخابات الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب التي تجري بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية هي التي ستحسم هذه الاتجاهات.

 ففي حالة فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن فإن هذا الفوز لن يؤمِّن له ما يريد من قدرات لتنفيذ وعوده وبرامجه وبالذات فى المسائل الخلافية الأساسية مع الجمهوريين سواء ما يتعلق بمواجهة فيروس كورونا، أو ما يتعلق ببرنامج الرعاية الصحية، أو ما يتعلق بالسياسات الاجتماعية المناهضة للعنصرية، إلا بوجود كونجرس مساعد يتمتع فيه بالأغلبية داخل مجلس الشيوخ وداخل مجلس النواب، وهذا ما يفسر طموحات بايدن بأن يفوز الديمقراطيون بأغلبية 60 مقعداً داخل مجلس الشيوخ من إجمالي 100 مقعد هي كل أعضاء المجلس كي يستطيع أن يمرر كل ما يريد من قوانين دون إعاقة. والعكس صحيح فإنه بدون كونجرس موالٍ ومتوافق لن يستطيع ترامب تحقيق شيء، وهذا ما يدركه الجمهوريون ويسعون إلى تحقيقه جنباً إلى جنب مع الحرص الشديد على تأكيد فوز الرئيس ترامب.

 الحرص على فوز ترامب ينبع من خلفيتين؛ الأولى أهمية الفوز بالرئاسة لذاتها لتنفيذ برامج الجمهوريين والحفاظ على مصالح الشرائح الاجتماعية المنتمية للحزب، والثانية وجود قناعة بوجود علاقة ارتباطية بين الهوية الحزبية لرئيس الجمهورية وتلك الخاصة بالسيناتور المرشح في ولايته، فإذا كان المرشح الرئاسي يحظى بدعم متفوق في إحدى الولايات فإن مرشحي حزبه لعضوية مجلس الشيوخ، وكذلك مرشحي حزبه لمجلس النواب يحظيان أيضاً بدعم مشابه وضمان للفوز في ولايتهم، وهذا ما يقلق الجمهوريين الآن.

 فالجمهوريون يخشون أن يكون الرئيس دونالد ترامب قد أضر بفرص فوز المرشحين الجمهوريين لانتخابات مجلس الشيوخ ومجلس النواب بسياساته وخاصة  إدارة أزمة فيروس كورونا.

فقد حذر قادة الحزب الجمهوري من احتمال تعرض المرشحين الجمهوريين لانتخابات الكونجرس ولانتخابات حكام الولايات لما أسموه ب «مجزرة انتخابية»، ولم يسبق أن قام مسؤولون بالتعبير عن قلقهم بهذا الشكل فى الأيام القليلة التي سبقت موعد إجراء الانتخابات يوم الثلاثاء الفائت. فقد حذر السيناتور الجمهوري عن ولاية نبراسكا «بن ساس» مواطني ولايته من أن الجمهوريين قد يواجهون «مذبحة في مجلس الشيوخ» بسبب إخفاق الرئيس دونالد ترامب في الاستجابة لمتطلبات مواجهة فيروس «كورونا»، وإحداث شرخ بين واشنطن وحلفائها في العالم.

 هذه المخاوف وغيرها، وما تؤكده استطلاعات الرأي من فوز محتمل، إن لم يكن مؤكداً، للمرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية على حساب فرص الرئيس ترامب، باتت تستبعد احتمال استمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ الذي يتمتعون فيه بأغلبية 53 سيناتوراً مقابل 45 للجمهوريين (من إجمالي عدد المجلس 100 سيناتور بواقع عضوين من كل ولاية من الولايات الأمريكية الخمسين)، إلى جانب استبعاد فرصة الفوز بالأغلبية في مجلس النواب الذي يتمتع فيه الديمقراطيون بالأغلبية.

 أما الديمقراطيون فيأملون المحافظة على أغلبيتهم الكبيرة في مجلس النواب التي تحققت لهم في انتخابات التجديد النصفي للمجلس عام 2018، كما يقاتلون من أجل الحصول على الأغلبية أيضاً في مجلس الشيوخ استغلالاً لما يعتبرونه «حالة رفض كاسحة» لدونالد ترامب، عبّر عنها الإقبال الكثيف من الناخبين على التصويت المبكر، لكن هذا التصويت المبكر والكثيف يفسر على أنه «تصويت صارخ ضد ترامب أكثر من كونه تصويتاً لصالح جو بايدن».

 هذا يعني احتمال العمل في الاتجاه المعاكس للقاعدة التقليدية التي تربط بين هوية المرشح للرئاسة وفرصه في الفوز وهوية المرشحين لانتخابات الكونجرس في ولاياتهم. فالتصويت هذه المرة لصالح جو بايدن لا يرجع إلى تفضيل شخص جو بايدن بقدر ما هو رفض لشخص دونالد ترامب، ومن ثم لن يكون شرطاً أن يفوز جو بايدن ويفوز أيضاً مرشحو الحزب الديمقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ ومجلس النواب وحكام الولايات، فالأمر هذه المرة قد يتعلق بشخص المرشح أكثر مما يتعلق بالحزب الذي ينتمي إليه، ولكن، بالطبع، دون إغفال انعكاسات نجاحات أو إخفاقات المرشح الرئاسي أو إغفال سمعة الحزب الذي ينتمي إليه المرشح لتلك الانتخابات على فرصه في الفوز.

 وهذا يعني غموض اتجاهات التغيير في السياسة الأمريكية لحين حسم نتائج انتخابات الكونجرس، وهي النتائج التي ستؤكد هل سيكون أمام الفائز في الانتخابات الرئاسية فرص مواتية للحكم أم لا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"