المتنمرون

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين

من يتعمّق في خفايا قصص المشاهير في العالم، يكتشف أن كثيرين منهم تعرضوا في طفولتهم للتنمر، ومن شاهد مسلسل «التاج» أو «ذا كراون» على منصة «نتفليكس»، يفاجأ بأن كل فرد من العائلة المالكة في بريطانيا تعرض للتنمر بطريقة أو بأخرى، وحتى الأمير تشارلز عانى في طفولته من التنمر في إحدى المدارس الداخلية التي أجبره والده على الدراسة فيها بعيداً عن والديه وعن رفاهية العيش في القصر كولي للعهد.
وكأنها آفة تلازم البشرية وتتوارثها الأجيال، والتخلص منها لا يكون سهلاً ولا فردياً، بل يحتاج إلى قرارات سيادية وقوانين حاسمة حازمة، تردع المتنمرين وتحمي الضحايا خصوصاً داخل المدارس.
قبل أيام احتفل العالم بيوم الوقاية من التنمر، ومن أوائل المشاركين في دعم وإطلاق حملات من أجل المساهمة في الحد من هذه الآفة المنتشرة في مدارس العالم، دولة الإمارات التي سبق لها أن شهدت إطلاق المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الذي يعمل تحت مظلة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، برنامج «الوقاية من التنمر»، وأثبتت من خلاله إمكانية الحد من الظاهرة وخلق بيئة صحية إيجابية داخل المدارس.
لا يستمد البرنامج أهميته من كونه الأول من نوعه في العالم العربي، بل لأنه يمكننا من المحافظة على سلامة أبنائنا نفسياً، ودعمهم لمواجهة كل عنف قد يتعرضون له بجرأة، بلا خوف أو تردد أو خجل. ولا تقل الوقاية من التنمر أهمية عن الوقاية من أي مرض أو وباء يسرع المرء لتحصين نفسه بالعلاج واللقاح لمواجهته وصده بقوة. وكلنا نعلم أن الأذى النفسي الذي يواجهه بعض الأطفال يترك ندوباً في شخصياتهم تنعكس على سلوكياتهم وتربيتهم ومستقبلهم.
هذا العام أيضاً واصلت الإمارات دعم برنامجها الوقائي، واستكملت مواكبته داخل المدارس عبر «الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر»، لنشر المزيد من الوعي لدى الطلاب بمختلف مراحلهم العمرية والتعليمية، وتحذيرهم من الوقوع فرائس للمتنمرين والسكوت عنهم وعن أفعالهم، أو تحذيرهم من التحول إلى متنمرين يستمتعون بإيذاء الآخرين وتهديدهم وأحياناً يتجاوزون في تنمرهم إلى حد تشكيل خطر حقيقي على حياة هؤلاء «المستضعفين».
لا يقتصر التنمر على الأشكال التقليدية مثل الشتم أو السخرية من شكل إنسان أو ملابسه ومستواه الاجتماعي، بل يصل إلى حد التطاول باليد والضرب، ويشمل الإيذاء الإلكتروني أيضاً، وتشويه سمعة أحد أو فبركة مقاطع فيديو له والتلاعب بصوره أو استغلاله لتهديده.. ولا يكون التنمر بالضرورة بين طالب وآخر، بل كل تهديد يوجهه طالب لأستاذ أو عامل في مدرسته (والعكس صحيح أيضاً)، هو تنمر صريح يجب منعه ومعالجته كي تكون المدرسة الحصن المنيع والمكان الآمن في عيون أطفالنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"