قطر والعزلة التركية

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

يتساءل الكثيرون عن كيفية مواجهة تركيا لتكلفة الحروب الخارجية التي تخوضها منذ العام 2011 وحتى الآن. فتركيا بلد غير منتج للطاقة وتبلغ فاتورته السنوية للطاقة 45 مليار دولار بينها 30 ملياراً للنفط و15 ملياراً للغاز الطبيعي.

نجحت تركيا في أن تتبع سياسة الباب المفتوح بعد العام 2002، من خلال سياسة تصفير المشاكل التي فتحت أبواب تركيا أمام الاستثمارات الخارجية، والأسواق الخارجية أمام المنتجات التركية. ونما الاقتصاد التركي بنسبة كبيرة وارتفع متوسط الدخل الفردي وبلغ الناتج القومي أرقاماً غير مسبوقة.

لكن بعد العام 2011 تورطت تركيا عن سابق تصور وتصميم في الأزمات التي اندلعت في محيطها الإقليمي من سوريا والعراق إلى شرق المتوسط ومصر وحاولت التدخل في شؤون دول الخليج وصولاً اليوم إلى القوقاز. وللمرة الأولى يخوض الجيش التركي عمليات عسكرية في أكثر أربع مناطق ساخنة. ولهذا بالطبع كلفته خصوصاً إذا كان يشمل هذا التدخل احتلال أراضٍ كما في سوريا والعراق أو في أماكن بعيدة مثل ليبيا.

وتراهن تركيا هنا أولاً على قدرتها الذاتية. فعلى الرغم من الأزمات التي واجهها الاقتصاد التركي مؤخراً بسبب «كورونا» والإدارة السيئة للملف الاقتصادي الذي وضع في عهدة برات البيرق، صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي أقيل مؤخراً، فيجب عدم المراهنة على ضعف الاقتصاد للحد من مغامرات تركيا العسكرية في الخارج.

إذ إن تركيا ومن خلال أزمات السنوات القليلة الماضية كانت تعتمد على مصدر خارجي لتعويض التكلفة المادية التي تتكبدها في نطاق عملياتها العسكرية، كما للحد من حجم التدهور في الداخل.

وفي هذا الإطار تبرز قطر حليفة وحيدة لتركيا في هذا المجال. فمنذ حوالي سنتين ومع الضغوطات الأمريكية على تركيا كانت قطر تضخ 15 مليار دولار في الداخل التركي على شكل استثمارات. وقبل فترة وجيزة كانت قطر تضخ مبلغاً مماثلاً في السوق التركية.

وتبرز هنا الاتفاقيات العشر التي وقعها أردوغان مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا وشملت مجالات الاقتصاد والصناعة والسياحة والمياه وغير ذلك.

ولعل أبرز ما حصل خلال الزيارة هو توقيع اتفاقية بيع قطر عشرة في المئة من بورصة اسطنبول. وظهرت لدى زعامات المعارضة انتقادات لتزايد حضور قطر الاقتصادي في تركيا متهمة أردوغان ببيع تركيا لقطر بعدما فشل في إدارتها سياسياً واقتصادياً.

ويسرد المعارضون قائمة بالمجالات التي اشترتها قطر في إطار بيع ممتلكات الدولة، مثل بورصة إسطنبول، مصنع الدبابات في صقاريا، ميناء أنتاليا، ساحل اتاكوي، مساحات واسعة من الأراضي الاستراتيجية على جانبي قناة إسطنبول المزمع شقها بين البحر الأسود وبحر مرمرة، شركة ديجي تورك للإنترنت والحق الحصري لل«بي إن سبورت» للبث الرياضي، بنك فينانس، A بنك، أغلى مناطق مضيق البوسفور، حديقة إيستينيه، إضافة إلى فنادق ومستشفيات وشركات إعمار ومصانع أغذية ومنسوجات.

ولا يتوقف الأمر عند مجرد حدوث عمليات البيع، بل إن تقريراً عرضه حزب الشعب الجمهوري المعارض يقول إنه من غير المعروف قيمة عمليات الشراء وتحت أي ظرف تم البيع ولماذا إلى قطر دون غيرها. ويشكك زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو، على سبيل المثال، بالرقم الذي أعلنته الحكومة عن قيمة أرباح بورصة إسطنبول وهي مئتا مليون دولار متسائلا:«هل هي 200 مليار أم 425 ملياراً؟ الحكومة لا تعطي أي رقم». فكما لا تعطي الحكومة أرقاماً حقيقية عن حجم تفشي وباء كورونا فهي لا تعطي أرقاماً فعلية لقيمة ما بيع لقطر في المجالات أعلاه.

لا تقتصر بالطبع علاقات تركيا بقطر على المجالات الاقتصادية والمالية. فالعلاقات وصلت إلى مرحلة التحالف العسكري مع وجود القاعدة العسكرية التركية في قطر والتي تم تعزيزها فيما بعد.كذلك فإن الشراكة الفكرية المتمثلة في الاغتذاء بفكر الإخوان المسلمين يعتبر القاسم المشترك الأكبر بين الطرفين. ولكن السؤال: هل يكفي التحالف مع قطر لإخراج تركيا من عزلتها القاتلة؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"