عادي

الطيران من العصر الذهبي إلى جائحة «كوفيد19-»

21:05 مساء
قراءة 7 دقائق
1
1
1

إعداد: هشام مدخنة

قطع السفر الجوي التجاري شوطاً طويلاً منذ «العصر الذهبي للسفر»؛ وهي حقبة تميزت بالروعة والسحر، إضافة إلى الأطعمة اللذيذة والمسافرين الأنيقين.

وعلى الرغم من الشكاوى المنتشرة اليوم بشأن المقاعد الأصغر والتذاكر باهظة الثمن، فإن إلقاء نظرة على تاريخ الطيران التجاري؛ يُظهر أن تجربة العملاء الحالية قد لا تكون سيئة كثيراً كما يعتقد البعض.

قد تكون المقاعد أصغر بلا شك، ولكن سلامة الطائرات وأمنها تحسن كثيراً، أضف إلى ذلك سرعتها وأسعار التذاكر والترفيه على متن الطائرة، وهي حقيقة يجب وضعها في الاعتبار أثناء الاطلاع على صور الطائرات التجارية من الماضي.

بين عامي 1947 و1950، أنتجت بوينج 56 طائرة من طراز ستراتوكروزر، والتي كانت تحتوي على أسرّة نوم وغرف تبديل ملابس وتتسع ل100 راكب. كانت مقصورة الطائرة ستراتوكروزر واسعة وفاخرة؛ لكنها بالمقابل كانت مشهورة بمشاكل المحرك.

 تبدل القوانين والأنظمة

لم يكن التدخين ممنوعاً على متن الطائرة؛ لذلك كان على الركاب تحمل معاناة استنشاق دخان الآخرين طوال مدة الرحلة. حظرت الحكومة الأمريكية بعد ذلك التدخين داخل الطائرات في عام 1977. وبعد سلسلة من القيود على أساس مدة الرحلة، تم حظر تدخين السجائر نهائياً على متن جميع الرحلات الجوية الأمريكية في عام 2000.

كانت مقاعد طائرة بوينج ستراتوكروزر أكثر اتساعاً ومهيأة أيضاً لتأخذ شكل السرير عند الرغبة بالنوم، لكنها كانت تحلق بسرعة 300 ميل فقط في الساعة، وهو أمر مذهل في ذلك الوقت، ولكنه بعيد كل البعد عن طائرات الركاب الحالية، التي تصل سرعتها إلى ضعف ذلك تقريباً.

تمتلك طائرات ستراتوكروزر نوافذ مخصصة تسمح بمشاهدة جوية ممتعة لركاب الدرجة الممتازة ممن حجزوا مقاعد أكثر كلفة. كما يمكن للركاب الاسترخاء في تلك المناطق أو في مقاعدهم من دون أحزمة الأمان التي لم تكن مفروضة حتى عام 1970.

مساحة المقاعد

على الرغم من شكاوى العديد من الركاب المعاصرين، لم تتغير مساحات مقاعد الطائرة بشكل مطرد خلال العقود الماضية. ومع ظهور فئة الأرائك الواسعة، حاولت شركات الطيران إضافة أكبر عدد ممكن من المقاعد، ما أدى إلى تقليص مساحتها. وأصبح هذا هو الحال بشكل خاص خلال العقدين الماضيين. يعتقد بعض المؤرخين أن العصر الذهبي بدأ في ثلاثينات القرن الماضي، لكن يجادل آخرون بأن العصر الذهبي للسفر الجوي التجاري حدث في الأربعينات من القرن الماضي بطائرات مضغوطة وأسرع مثل: بوينج 307 ستراتولينر، وطائرة بوينج 377 ستراتوكروزر، ولوكهيد كونستليشن، إضافة إلى طائرة دوجلاس دي سي6.

أصبحت مقاعد الدرجة الأولى أكثر راحة بشكل ملحوظ على مر السنين. وتوفر مقصورات رجال الأعمال أيضاً رحلة سلسة على الرغم من أنه لم يتم الترويج لها كقسم خاص حتى ثمانينات القرن الماضي.

تحتوي بعض الطائرات على مقاعد مع طاولات، وهي ميزة أكثر ارتباطاً اليوم برحلات القطار؛ لكنها كانت شائعة إلى حد ما في ذلك الوقت، وخاصة للمسافرين الأثرياء.

ارتفاع السقف 

تعد المسافة بين رأس الراكب وسقف الطائرة عنصراً مهماً لراحة الركاب. فبعضهم يعاني رهاب الأماكن المغلقة على الطائرات؛ لذلك كلما كانت هذه المساحة أكبر، كان ذلك أفضل. وهذا هو الحال بالنسبة لتصميم طائرة بوينج 747. ولكن من حيث الفخامة والهيبة والسرعة، فإنها ببساطة لا تستطيع منافسة طائرة كونكورد التي تستطيع الطيران بأكثر من ضعف السرعة القصوى لطائرة بوينج 747.

وبحديثه عن الكونكورد أوضح بوب أنها طائرة نقل مذهلة تفوق سرعتها سرعة الصوت، وكانت ببساطة سابقة لعصرها. واعتبر بوب أن القدرة على الطيران بسرعة 1350 ميلاً في الساعة وعلى ارتفاع 60 ألف قدم يعد إنجازاً هائلاً لرحلة ركاب تجارية. دفع الركاب ما بين 10 آلاف دولار إلى 20 ألف دولار للطيران على متن هذه الطائرة التي لم تكن فاعلة أبداً في استهلاك الوقود.

على الرغم من أنها يمكن أن تنقل الركاب من نيويورك إلى لندن في 3.5 ساعة، فإن الكونكورد توقفت عن الطيران في عام 2003، بسبب ارتفاع تكاليف الصيانة، وتراجع الطلب وتحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية في عام 2000.

الطائرة العملاقة 

تطورت صناعة الطيران إلى أن وصل حجمها مع طائرات الإيرباص A380 لتتسع إلى 500 مسافر، وأصبحت الطائرة «العملاقة»، منذ بدء دخولها الخدمة قبل 12 عاماً، جوهرة أسطول طيران الإمارات والمفضلة لدى العملاء عبر العالم؛ حيث توفر لهم تجربة سفر لا تضاهى بمنتجاتها المتميزة، مثل حمّام الشاور سبا والصالون الجوي.

ولا تزال تجربة طائرة الإمارات A380 تأسر خيال العملاء؛ حيث يحرص الكثيرون منهم على حجز سفرهم عليها؛ للاستمتاع بالرحابة والهدوء والراحة في كل مقصورة. وقد أعادت الناقلة مؤخراً توفير منتجاتها المتميزة على متن العملاقة؛ بعد أن زاوجت بين تقديم تجربة عالية خلال الوباء والتدابير الاحترازية التي تعطي الأولوية لصحة ورفاه الركاب.

مساحة أكبر للقدمين

عندما يتعلق الأمر بمساحة مخصصة للأرجل، فمن الصعب منافسة طائرة «بوينج كليبر» أو «القارب الطائر» التابعة لشركة الطيران الأمريكية الأسطورية «بان أمريكان»، والتي تم تصنيعها لأول مرة في أواخر عشرينات القرن الماضي.

وقال دان بوب، الأستاذ في جامعة نيفادا والباحث في تاريخ الطيران: كانت الفكرة الكاملة وراء القوارب الطائرة؛ هي راحة الركاب.

في عام 1928، استخدم خوان تريب، مؤسس شركة الخطوط الجوية بان أمريكان، قانون البريد الجوي لعام 1925 لنقل البريد والركاب لاحقاً إلى أمريكا الوسطى والجنوبية. واعتمد على عدة أنواع من القوارب الطائرة طوال ثلاثينات القرن الماضي، بما في ذلك سيكور سكي إس-38، و مارتن إم-130 (التي تضم صالة طعام تتسع ل16 مقعداً)، وطائرة بوينج 314 كليبر التي يمكنها أن تطير لمسافة 4 آلاف ميل بسرعة 183 ميلاً في الساعة.

إضافة إلى إمكانية تزويدها بكمية كافية من الوقود للسفر لمسافات طويلة، كانت القوارب الطائرة شائعة؛ لأنها يمكن أن تهبط على الماء، مما يلغي الحاجة إلى مدارج باهظة الثمن. لكن في وقت لاحق، لم يعد هذا التصميم محبذاً؛ لأنه تم تطوير طائرات أسرع ومضغوطة أكثر.

وأضاف بوب: هذا موضوع ثابت طوال تاريخ الطيران التجاري. لقد كان الجيش يصمم باستمرار طائرات أسرع وأكبر، وحذت صناعة الطيران التجاري حذوه. 

في عام 1940، دخلت الطائرة 307، وهي من طراز بوينج بي 17 القاذفة التابعة للجيش الأمريكي، الخدمة التجارية. كانت بوينج 307 ستراتولاينر أول طائرة ركاب في العالم مقاومة للضغط العالي، مما يعني أنها يمكن أن تطير على ارتفاع 20 ألف قدم، أعلى بكثير من اضطرابات الأحوال الجوية.

تتسع طائرة بوينج بي 17 ل33 راكباً كانوا عادة من الأثرياء أو رجال الأعمال؛ بسبب كلفة الطيران المرتفعة في ذلك الوقت. أما تذكرة المقاعد الموجودة يسار الصورة فكانت تكلف أكثر؛ لأنها توفر مساحة أكبر للأرجل.

عرض الممر

يعرف أي شخص حاول تجاوز عربة تقديم المشروبات في منتصف الطائرة أنه لا توجد مساحة كبيرة لعمل هذه المناورة بأمان. ومع ذلك، فإن عرض الممر الواضح في طائرة بوينج 747 من خطوط بأن أمريكان في الصورة أعلاه يشبه عرض الطائرات الحديثة، وهو القياس الذي تنظمه إدارة الطيران الفيدرالية. قد تكون العربة أصغر حجماً، والمضيفة بالتأكيد كذلك. ومن المعروف أن لدى شركات الطيران في الأصل قيوداً على طول ووزن المضيفات والأمر مستمر إلى يومنا هذا.

واعتبر دان بوب، أن الطائرة بوينج 747 ذات مساحة الممر الواسعة في قسم الدرجة الأولى هي الإنجاز المميز للشركة المصنعة. وكان يطلق عليها اسم ملكة السماوات. لأن هذه الطائرة الجامبو كان لديها متغيرات قادرة على استيعاب 500 راكب والتحليق بسرعة 600 ميل في الساعة على ارتفاع 40 ألف قدم.

لقد كان هذا الطراز جزءاً من ثورة الطائرات التي قلصت مسافات العالم من خلال السرعة والمكان والزمان. إنه لأمر مذهل كيف تمكن المهندسون من تصميم جسم بإمكانه الطيران يبلغ وزنه نحو 408 طن بمحركات وأجنحة وذيل.

خدمة الطعام

كانت وجبات الطعام والأطباق المقدمة خلال عصر السفر الذهبي باهظة الثمن. كان الموظفون يرتدون ملابس الحفل وكأنهم في مناسبة فعلية ويحملون الطعام على عربات دفع مفتوحة عبر كبائن الدرجة الأولى. تظهر الصور كيفية تقديم أطباق الطعام وكذلك اللحوم المقطعة.

الزي الرسمي

لقد تغيرت المضيفات والزي الرسمي الخاص بهن كثيراً على مر السنين.

وكانت أولى مضيفات الطيران من الممرضات؛ وذلك بسبب معاناة الركاب من قلق السفر والغثيان والأعراض الأخرى المتعلقة بالرحلة الجوية؛ لذلك وظفت شركات الطيران ممرضات ليكنّ مضيفات ويعملن على تقديم الراحة الكافية للمسافرين.

تغير الزي الرسمي للمضيفات على مر العصور ليعكس الموضة السائدة في كل وقت، وشمل أحذية جو جو في الستينات، والسراويل المخططة في السبعينات، وتنورة الباستيل والجاكيت في الثمانينات. ويعد الزي الرسمي للمضيفات اليوم أكثر تحفظاً. ومع ذلك، ظلت أزياء الطيارين كما هي إلى حد كبير.

الجائحة تضرب في الصميم 

قد يكون عام 2020 الأسوأ في تاريخ قطاع الطيران؛ بسبب تفشي جائحة كوفيد -19، ما دفع دول العالم إلى إغلاق الأجواء لمنع انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي أدى إلى إفلاس عدد لا يستهان به من الشركات، إلى جانب تدخل حكومي غير مسبوق؛ لإنقاذ ملايين الوظائف في القطاع الذي تعرض لشلل شبه تام. 

وقد أشار الاتحاد الدولي للنقل الجوي «إياتا» في أحدث توقعاته إلى أن شركات الطيران العالمية سوف تسجل خسارة صافية قدرها 118.5 مليار دولار في عام 2020، فيما يتوقع أن تتقلص خلال عام 2021 إلى 38.7 مليار دولار.

وأوضح: إن شركات الطيران خفضت التكاليف بنسبة 45.8%، لكن الإيرادات تراجعت 60.9%. والنتيجة هي أن شركات الطيران ستخسر 66 دولاراً لكل مسافر يتم نقله هذا العام.

وشكلت أزمة كوفيد -19 تحدياً للصناعة من أجل بقائها في عام 2020. في مواجهة انخفاض الإيرادات بمقدار نصف تريليون دولار (من 838 مليار دولار في 2019 إلى 328 مليار دولار).

وكما قال ألكسندر دي جونياك، المدير العام والرئيس التنفيذي ل«إياتا»: «سيسجل التاريخ عام 2020 باعتباره أسوأ سنة مالية في الطيران». 

ومن المتوقع أن تنخفض أعداد الركاب إلى 1.8 مليار (60.5٪ أقل من 4.5 مليار مسافر في 2019). هذا هو تقريباً نفس الرقم الذي كانت الصناعة تحمله في عام 2003.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"