لقاح كورونا وانتصار العلم

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

بقلم محمد خليفة

الثورة الطبية ستمتد مفاعيلها لتشمل إعادة صياغة وجودنا البشري وكينونتنا الذاتية، عبر تداخل غير مسبوق بين المنظومات البيولوجية والسيكولوجية والمادية، وهو الأمر الذي ينبئ بتغيرات ثورية علمية طبية، ستمثل انعطافة كبرى في حياة الوجود البشري، بحيث يشمل كافة البشر القانون الأخلاقي المعبر عن الفطرة الإنسانية قياساً إلى نمط الأخلاق والنفعية على كافة الصعد، ومنها الإيديولوجية المترتبة على صعود الذكاء الاصطناعي، والتي تمثل المرحلة الأعلى للحلم اليوتوبي البشري في الانعتاق من أسر المحدوديات البيولوجية الحاكمة للوجود البشري، المرض، والوهن، والشيخوخة، والخوف، حيث تمثل الاكتشافات الطبية السعي الأكمل للوجه الآخر للعلم.

 هذه الاكتشافات، وإن جاءت متأخرة، أبعد من مجرد تطويرات فنية طبية علمية تحصل للكائن البشري، وتجعله يصل إلى الكينونة البشرية للوجود البشري، والذي ينسج، بمكوِّن الوعي، العلاقة بين الانتظام التاريخي وبين النشاط الغائي للإنسان، وهو الذي يحقق الوحدة بين الفكر والعلم، إنه صيرورة الحقيقة وحركة الوجود نتيجة اجتهادات علمية عمل فيها، طويلاً، العقل والأمل معاً إنضاجاً وإيناعاً.

 ومع ذلك فقد شكلت جائحة «كورونا» صدمة كبيرة لمنظمة الصحة العالمية، ومراكز الأبحاث، وشركات الأدوية وكافة العاملين والمسؤولين عن صحة البشر في العالم، إذ إن الأبحاث العلمية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، قد أفضت إلى حصر الأمراض الخطيرة التي تنتقل عن طريق العدوى وتم صنع لقاحات لها. لكن الفيروس التاجي استطاع أن يخترق حاجز تلك اللقاحات، مصيباً ملايين البشر في الكثير من دول العالم، وكانت دول غرب أوروبا والولايات المتحدة من أكثر الدول التي عانت هذه الجائحة.

 وللعلم فإن للسل أو «للدرن» سبعين شكلاً ونوعاً، وربما كان «كوفيد 19» هو شكل جديد لهذا المرض. ومن جانب آخر، فإن هناك عشر دول في المحيط الهادئ لم يصل إليها وباء كورونا هي بالاو، وميكرونيزيا، وجزر مارشال، وناورو، وكيريباتي، وجزر سليمان، وتوفالو، وساموا، وفانواتو، وتونجا. والسؤال الذي ينبغي أن يجيب عليه العلماء هو: لماذا لم يصل هذا الوباء إلى تلك الدول؟ وهل هناك سبب بيئيّ أو بيولوجيّ لهذا الأمر؟ أي: هل البيئة والمناخ في تلك الدول حالا دون انتشار الوباء فيها، أم أن المناعة الذاتية لدى سكان تلك الجزر هي السبب في ذلك؟!.

 إن إجابة العلماء على هذا السؤال قد يفتح أمام العلم طرقاً جديدة لفهم آليات المناعة، وكيفية تحصين المجتمعات البشرية من خطر ظهور أمراض جديدة تؤدي إلى عرقلة النمو الاقتصادي الدولي، وانهيار الشركات والمؤسسات، وزيادة عدد الفقراء والمحتاجين في العالم.

 لقد تسببت جائحة كورونا في كوارث عديدة، فبالإضافة للخسائر البشرية التي تجاوزت المليون من الوفيات حول العالم، شهد العالم أجمع، غنيه وفقيره، خسائر اقتصادية فادحة، بسبب الحجر الصحي الطويل، وتعطل الأعمال وانهيار الشركات، وتوقف التبادل التجاري بين الدول.

 وكان العلماء قد بدأوا في تطوير لقاح لهذا المرض منذ مارس 2020، لكنهم نجحوا في صنع اللقاح وأصبح جاهزاً للاستخدام في عدة دول. وعلى الأغلب سيكون عام 2021 نهاية لهذه الجائحة، حيث سيصل اللقاح إلى مختلف الدول التي تعانيه، ومن ثم سيتم إضافة اللقاح إلى سلسلة اللقاحات التي تعطى للأطفال، وبذلك تستقر المجتمعات من جديد وتواصل حياتها كالمعتاد. لكن ما ينبغي ذكره هنا هو أن العلم الذي تتسلح به البشرية اليوم، هو أمضى سلاح في يدها في مواجهة المصاعب والتحديات، ففي الماضي كانت الجوائح المرضية تستهدف مجتمعات كثيرة في العالم، وتظل تحصد العديد من الأرواح على مدى سنوات عديدة حتى تزول من تلقاء نفسها. حتى أن مدناً عديدة قد يعمها الموت، ويفنى سكانها عن بكرة أبيهم دون معين أو منقذ. وكان يطلق على تلك الجوائح «الهواء الأصفر، أو الطاعون»، وقد اهتدت بعض الدول الأوروبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى فكرة الحجر الصحي للحد من انتشار المرض، وتوقف عداد الموتى.

 أما اليوم فإن العلم قد تدخل سريعاً لصالح البشرية، فتم تطبيق الحجر الصحي، في مختلف الدول، وفق خطط علمية مدروسة وبتوجيه من منظمة الصحة العالمية، ومن ثم تم إنتاج اللقاح المناسب الذي سيضع حدّاً نهائياً لمعاناة البشرية في مختلف دول العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"