حرضوا على «بريكست» وهربوا !

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

بينوي كامبارك *

من المتفق عليه أن الانتماء الوطني والجشع لا يجتمعان. فعندما يتحدث الجشعون عن حب بلادهم وحب العلم والازدهار، يجب توخي الحذر. فقد تتعرض البلاد للحروب أو تبرم الحكومات اتفاقيات تجارية ناجحة أو فاشلة، وفي جميع الأحوال تجد هؤلاء الرأسماليين في المكان الذي يحقق مصالحهم بغض النظر عن منفعة بلادهم أو ضررها.

 ففي بريطانيا يقدم السير جيم راتكليف، الملياردير الذي كان من أشد المدافعين عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نموذجاً صارخاً. فعندما حان موعد المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي نتيجة الاستفتاء على انفصال بريطانيا عام 2016، شدد على الدبلوماسيين البريطانيين كي «يصغوا جيداً ويتحلوا بأدب الحوار وجاذبية الصورة؛ بحيث يحرزون النقاط المستهدفة حتى في الثالثة صباحاً عندما ينهك الجميع»، وركز على الأوراق القوية التي تملكها بريطانيا ومنها موقع العاصمة لندن كمركز مالي رئيسي؛ وعلى أهمية السوق البريطاني لشركات مثل «مرسيدس» كي تواصل بيع سياراتها في البلاد.

 تردد صدى هذا الشعور لدى المليارديرات البريطانيين الآخرين الذين افترضوا ببساطة أن عواقب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ستكون ترددات عابرة بسيطة وليست هزة هائلة. كانت تلك هي النصيحة التي قدمها شاغلو القصور وشقق البنتهاوس المذهبة. فقد ادعى اللورد أنتوني بامفورد، رئيس مجلس إدارة شركة «جيه سي بي» لمعدات البناء، أن «الأسواق الأوروبية مهمة للعديد من الشركات البريطانية، بما في ذلك شركته، وهذا لن يتغير لأن المملكة المتحدة خامس أكبر سوق تجارية في العالم، وليس لديها الكثير مما تخاف عليه في حال مغادرة الاتحاد الأوروبي».

 أما السير جون كودويل مؤسس منصة «فونز فور يو» فلا يزال مقتنعاً بشكل جازم بأن الاتحاد الأوروبي كان يسرق البريطانيين، مدعياً أن «فتيان بروكسل المتنمرين» حصدوا 80 مليار جنيه إسترليني من المكاسب في التجارة مع بريطانيا، وحاصروا مياه الصيد في المملكة المتحدة.

 في أعقاب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، تحول كل أولئك ومن شاكلهم للبحث في ما يخدم مصالحهم. فقد ركز راتكليف في البداية على النشاط داخل بريطانيا. كان يأمل في صنع سيارة خارقة للطرق الوعرة، مستوحاة من «لاند روفر» الأصلية، في مصنع جديد في بريدجيند في جنوب ويلز. وأكد أن تلك الخطوة تعزز الثقة في قطاع التصنيع البريطاني.

 لكن السير جيم كان يبحث عن خيارات أخرى، كما فعلت العديد من الشركات التي كانت تغلق وتتسلل خلسة عبر نقل موظفيها. فقد بدأت شركة «إينيوز أوتو» إحدى شركات راتكليف، مفاوضات لشراء مصنع شركة مرسيدس في مدينة «هامباخ» في مقاطعة موزيل الفرنسية.

أما السير جيمس دايسون، فعلى الرغم من حماسته لرحيل بلاده من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه أعطى لمؤيدي خروج بريطانيا إحساساً زائفاً بجعل بريطانيا عظيمة مرة أخرى. ففي سبتمبر 2017، كشف المخترع عن أحلامه للموظفين عندما قال: «لقد بدأنا العمل على سيارة كهربائية تعمل بالبطارية، من المقرر إطلاقها في عام 2020، يمكن اعتبارها «تسلا» الأوروبية».

 لكن هذا التفاؤل تلاشى تدريجياً؛، حيث جاءت نذر الإحباط من قطاع السيارات نفسه. ففي أكتوبر 2018، تخلى دايسون عن مدينة «هالافينجتون» كموقع إنتاج للسيارات المقترحة، مفضلاً سنغافورة.

 كما تألق اسم «دايسون» في الترتيبات الضريبية للشركة في سنغافورة، عندما أشار الرئيس التنفيذي لشركة دايسون، جيم روان، إلى أن القرار لا علاقة له ببريكست أو حتى قضية الضرائب الشائكة. وكشف روان بشكل واضح عن أنه لا ينبغي اعتبار «دايسون» كياناً بريطانياً بقدر ما هو «شركة تقنية عالمية» يمكن للمشاعر الوطنية أن تفسدها.

وكي لا يتفوق عليه راتكليف في مسألة الضرائب، أقدم على تغيير موطنه الضريبي إلى إمارة موناكو؛ حيث لن تحصل بريطانيا على فلس واحد بعد اليوم من رجل تقدر ثروته ب 17.5 مليار جنيه إسترليني. قد يدعي أنه وطني، لكن بالتأكيد ليس عندما يتعلق الأمر بما في جيبه.

* أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة لندن

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة لندن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"