لبنان يختنق

03:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
بيروت: رامي كفوري

«كلما داويت جرحاً سال جرح ...»
يخشى رئيس الحكومة اللبنانية، حسان دياب، ألا يطول الأمر قبل استذكار هذا الشطر من الشعر، وأن يتحول الجرح إلى جراحات، والأمل إلى خيبات، في ظل الضبابية التي تلف المشهد الدولي والإقليمي المعني بالوضع اللبناني. ضبابية أرادتها عواصم ودول القرار المؤثرة ليبقى لبنان مغلولاً، ومحاطاً بإملاءات متعددة المصدر، فهي لا تريد له السقوط والانزلاق إلى قعر الهاوية، ولا أن ينهض مستعيداً عافيته.

إذا كانت «الثورة» التي عصفت بوطن الأرز أدخلت الدكتور حسان دياب إلى نادي رؤساء الحكومات، فإنها وضعت في وجهه عوائق وتحديات متعاظمة جعلته يقف حائراً أمام السؤال الكبير: كيف السبيل للخروج من هذا النفق الذي زُج فيه لبنان، في وقت يبدو أن سياسيين لبنانيين لم يتعلموا الدروس بعد كل الذي جرى، معتبرينه مجرد سحابة صيف وتنكفئ.. لا سبيل إلى الإنكار أن حكومة دياب أمام تحديات كبيرة تندرج كالآتي:
ملفات صعبة
* التحدي الأول هو ضمان التماسك السياسي بين القوى التي دعمت دياب، سواء بتسميته لرئاسة الحكومة، أو بتوفير أكثرية مقبولة للثقة بحكومته.
* التحدي الثاني هو قدرة الحكومة على إعادة اللبنانيين إلى أحضان الدولة، وحملهم على الوثوق بها.
* التحدي الثالث معالجة مسألة المديونية بواقعية وخطوات ثابتة، وشجاعة، وعدم إفساح المجال لحملات التخويف والتهويل أن تأخذ مداها. بمعنى أن تختار الوسيلة والآلية التي يمكن من خلالها مواجهة ديون وفوائد استحقاقات «اليوروبوند» بأقل قدر من الأضرار.
* التحدي الرابع هو ملف الكهرباء، وهو لا يزال موضع اشتباك سياسي كبير بين الفرقاء اللبنانيين، ولاسيما بين الحلفاء، بدليل السجال الذي احتدم بين من يفترض أنهم في خط استراتيجي واحد. ومن استمع إلى ما قالته وزيرة الطاقة والمياه سابقاً، ندى البستاني، مساء الأحد الماضي، على إحدى الشاشات اللبنانية، ورد وزير المال السابق علي حسن خليل عليها، عزز الاعتقاد بأن ثمة ألغاماً مزروعة داخل فريق الأكثرية يهدد انفجار الحكومة الوليدة.
* التحدي الخامس يتمثل في كيفية تجنب الضغط الأمريكي السياسي والاقتصادي المتمثل في العديد من الملفات، بدءاً بترسيم الحدود البرية والبحرية، وصولاً إلى ملف النفط، مروراً بملف العميل «الإسرائيلي» الأمريكي اللبناني الأصل عامر الفاخوري.
* التحدي السادس يتمحور حول كيفية ضبط سوق النقد، ولا سيما ارتفاع سعر صرف الدولار.
والواضح أن تشكيل الحكومة الجديدة لم يحدث صدمة إيجابية أدت إلى انخفاضه، أو ثباته، كما كان متوقعاً، ما انعكس سلباً على كل مجالات الاستهلاك، خصوصاً في ما يتصل بالمواد الغذائية، والأدوية، والمحروقات، وتضاعف معاناة المواطنين.
* التحدي السابع وهو أمني، ويبرره السؤال الآتي: كيف يمكن الحفاظ على الاستقرار إذا كان الأمن الاجتماعي مهتزاً، والجوع مقبلاً، ومن يضمن ألا تعود الثورة لتتأجج بأشكال أشد عنفاً، وأكثر عصفاً؟

فرنسا فقط

يضاف إلى كل هذه التحديات ما هو ملموس من الحذر الدولي والانكفاء العربي عن لبنان، فباستثناء الاهتمام الفرنسي بالوضع اللبناني، ورغبة باريس في مساعدة حكومة حسان دياب على الإقلاع، فإن الأسرة الدولية على العموم، لا تزال تلزم الصمت، وتمتنع عن الجهر بمواقفها، وتراقب من بعد الحراك السياسي والشعبي، وأداء الحكومة الجديدة لتبني على الشيء مقتضاه. ولكن على ما يبدو، فإن هذه الرقابة ليست محايدة بالضرورة، وقد يكون لها طابع الكمون والتريث. أما واشنطن، فلا تخفي مخالبها، وإن غلفتها أحياناً بقفازات مخملية. وهي ترسل إشارات متناقضة تجعل المراقبين والمحللين في حيرة من أمرهم. لكن الثابت أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تهادن لبنان، وأن القوى اللبنانية الموالية للولايات المتحدة تراهن على ذلك، وتعتبر أن زيادة الضغط سيزيد في حصار وتهميش العهد، والحكم اللبناني، وحلفائه.. ويلاقي الموقف الأمريكي في المقلب العربي ما يشبه اللامبالاة، إذ إن دولاً لها أيادي بيضاء على لبنان تقول، وفق دبلوماسييها، إنها لن تعزز رصيد حكم تكون فيه اليد العليا المقررة لوجهة لبنان الاستراتيجية لمحور يعادي العرب.
ولا يغيب عن بال المراقبين أنه في غمرة الضغط الذي يشتد على لبنان، الذي يتهيأ لمفاوضات صعبة مع صندوق النقد الدولي، ويواجه حصاراً مبرمجاً، زار رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني لبنان من بوابة سوريا، وجال على المسؤولين كافة، مستطلعاً الوضع، وعارضاً مساعدة طهران في مجالات الطاقة والزراعة والدواء، والصناعات «البتروكيماوية». لكن الجانب الإيراني يعرف أن لبنان ليس طليق اليد في قبول هذه المساعدة، ولو كانت كلفتها المالية عليه أقل بكثير من أي عروض ستقدم له، ذلك لأن الكلفة السياسية ستكون باهظة، لذلك، فإن المراقبين يعتقدون أن الجانب الإيراني لن يستطيع أن يمارس أي ضغط لحمل حكومة الرئيس دياب على قبول عروضه.


ارتياب غربي


زيارة لاريجاني نظر إليها الغرب بارتياب، رغم أن لاريجاني شرح أمام من التقاهم كيف أن بلاده التفت على العقوبات الأمريكية عليها، من دون أن يقلل البتة من أثر تداعياتها، ليخلص إلى أنه يمكن توفير البدائل إذا كانت القيود ستبقى على قساوتها تجاه لبنان (..)، ويبقى السؤال المطروح عند المراقبين: هل تدفع زيارة المسؤول الإيراني الغرب، ودول قادرة على تخفيف الوطأة عن لبنان، أو يكون ذلك سبباً في مضاعفتها؟ سؤال مطروح عل الأيام المقبلة تحمل الإجابة عنه.
هل مطلوب استسلام لبنان؟ لابُدّ من الإشارة إلى أن ثمة كلاماً كبيراً يُقال في أروقة بيروت السياسية: هل انتهت وظيفة لبنان، حتى بات الإهمال مشروعاً ومشرّعاً، وعدم الالتفات إلى وضعه مبرراً؟ هل هناك قرار كبير بتفجير، أو تغيير نظامه، ولو أدى به ذلك إلى المجهول؟ أو أن الضغوط التي مورست، وتمارس عليه ليست بالقدر الذي يكفي، فيجب مضاعفتها إلى أن يرفع لبنان يديه مستسلماً وفق الشروط التي تبلغها من واشنطن غير مرة؟
رئيس حزب «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، قال بالأمس، إن هناك شروطاً ينبغي على لبنان السير فيها لكي تنفرج الأزمة.. يعني ذلك أن الكباش الدولي الإقليمي يشتد على عنق لبنان، في ذروة الاحتدام العسكري في شمال سوريا، والمواجهة الإيرانية الأمريكية الشاملة في المنطقة بعد اغتيال سليماني.. فهل ينجو لبنان؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"