دماء شهداء "أسطول الحرية" درس للحكومات العربية

04:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

بعد أشهر من التخطيط والتحضير انطلقت مسيرة أسطول الحرية باتجاه غزة، وتكون من مجموعة من المراكب الصغيرة لا تتجاوز التسعة، وأهمها مركب مرمرة التركي . وبلغ مجموع المتطوعين على تلك المراكب نحو 750 متطوعاً بدأوا رحلة كسر حصار غزة عشية الأحد الماضي، يحملون نحو 5 .1 طن من المساعدات الإنسانية . وبذل هؤلاء بشجاعة وجرأة متناهية جهدهم لكسر الحصار الصهيوني، وهي مهمة سلام كانوا يحملونها على عاتقهم .

هؤلاء المتطوعين هم النخبة التي آثرت أن تتحمل مسؤولياتها، فلم يعودوا قادرين على تحمل رؤية أبناء القطاع يجوعون ويعانون، ولم يعد هؤلاء يطيقون تمضية حياتهم بوتيرة واحدة، خاصة وهم يشاهدون إخوة وأشقاء عزيزين عليهم يعانون ويذوقون ويلات الحصار .

ورغم معرفة هؤلاء بالطبيعة العدوانية للعسكر الصهاينة، إلا أنهم غادروا بيوتهم حيث الدفء والراحة وودعوا عائلاتهم وهم مقتنعون بأن هذه الخطوة لها أهمية قصوى على الشعب الفلسطيني . ولكن ما كانوا يجهلونه حقاً أنه بينما كانوا يصعدون على متن تلك المراكب ويبحرون وسط ستار من الظلام، أن رحلتهم ستشكل أهمية بالغة بالنسبة للعالم أجمع .

لقد شكلت تلك العزيمة علامة بارزة على صفحة التاريخ، وهو اليوم الذي فقدت فيه إسرائيل السيطرة على تغطياتها الإعلامية، وهو اليوم الذي دفع أعداداً كبيرة من الجيل الشاب إلى ذرف الدموع وهم يتابعون أنباء الرحلة الشجاعة التي قام بها المتطوعون متجهين إلى شاطئ فلسطين .

ووسط جنح الظلام أقدم الصهاينة القتلة على فتح النار من الجو والبحر على تلك القافلة الآمنة، وسقط 19 شهيداً مضرجين بدمائهم الطاهرة على مذبح الحرية والحق، وجل الشهداء من الأجانب من غير العرب الذين جاؤوا لنصرة شعب غزة وهم يبحرون في المياه الدولية . ومن بعد القتل ساد السكون وتوقفت الاتصالات تماماً حتى إن العدد الصحيح للضحايا لم يعرف في تلك اللحظات، وإن اعترف الصهاينة بقتل 15 متطوعاً .

فجأة أسقطت وسائل الإعلام العالمية كلمة مساعدات من مفرداتها وهي تعلق على الحدث . وكالعادة بدأ الإعلام العالمي يستمع لما يقوله الصهاينة من افتراءات وأكاذيب زاعمين أن الجنود الصهاينة المهاجمين تعرضوا للاعتداء . وقالوا لم نكن نحن المعتدين بل هم . ولاشك، فإن كل صاحب عقل وحصافة يعلم تماماً كيف ستسير الأمور بعد الجريمة، وسيستمع العالم إلى أسطوانة إسرائيلية مكررة منذ سنوات طويلة بطول سنوات العدوان والاغتصاب .

لقد صدمتنا أنباء الجريمة والمجزرة التي ارتكبها الجنود الصهاينة فجراً وتحت جنح الظلام . ولكن ما عز علينا وعمّق الحزن في قلوبنا، البطء الذي اتسم به رد فعل الحكومات العربية، وبالمقابل سارعت الحكومة التركية منذ اللحظات الأولى للجريمة إلى إعلان موقفها الصريح والجريء . وحذا الإيرانيون حذو الأتراك، وعلى العكس استغرقت ردود أفعالنا العربية نصف يوم بالكامل حتى تظهر خطابات الشجب، وأطلت أول ما أطلت من الجامعة العربية التي من غير المتوقع أن يجتمع أعضاوها قبل يوم الغد . ولكن أي قضية مثل هذه تستدعي التباطؤ والتأخير؟ وأي شيء عاجل أكثر من الرد على تلك الهجمة الهمجية الصارخة ضد أناس عزل جاؤوا لنصرة أناس محاصرين ومحرومين؟

وفي الوقت الذي بدأت الجامعة العربية بتدارس الأمر، أصبحت السفن التي تحمل المساعدات الإنسانية الجهة التي تحتاج إلى المساعدة، وهبطت أنباء المجزرة في عرض البحر على سكان غزة الذين كانوا يحتشدون على الشاطئ للترحيب بسفن المساعدات هبوط الصاعقة، وأحبطوا خاصة أنهم غير قادرين على إغاثة إخوانهم في البحر، وهم المحاصرون وأفواه المدافع الصهيونية من البحر موجهة إليهم . ومرة أخرى بدت الجدران المفروضة على غزة أعلى وأشد صلافة، لكن شعب غزة سيبقى رافع الرأس متحدياً .

إننا موجودون هنا لنبلغ شعب غزة والشعب الفلسطيني أن هذه الحركة قد سجلت سابقة وستتلوها أعمال تحد أقوى فأقوى . ولن تنساكم الأمة، وأبناؤها مستعدون لسكب الدماء غزيرة في بحر غزة . اليوم تغير الرأي العام العالمي بأساليب وطرق كثيرة، ويمكن ل إسرائيل أن توقف أسطول الحرية الصغير بقوة الحديد والنار وشهوة القتل، لكنها لن تستطيع أن توقف توقنا إلى الحرية .

إلى عائلات الشهداء الذين سقطوا بأيادي الغدر الصهيونية على سطح مراكب المساعدات الإنسانية، إليكم خالص عزائي وأتمنى عليكم أن تُبقوا هاماتكم عالية تحت شعار الفخار والمجد قلادات ترصعون بها صدوركم وللأبد .

أما أنت أيتها الحكومات العربية فيمكنك الاستفادة من درس أولئك الشهداء الشجعان الذين سقت دماؤهم شجرة الحرية والذين أبحروا في جنح الظلام، كيف يفتحون بوابة النور والأمل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"