«كورونا» يرفع مبيعات الرواية

04:27 صباحا
قراءة دقيقتين
يوسف أبو لوز

لا ضارّة نافعة، عكس ما يقول المثل الشعبي، حتى لو كانت صدفة جيّدة. وفي الأوبئة ثمة حكاية ثانية، ففي حين يصاب العالم بالذعر من الأمراض العابرة للقارّات، يبدو أن بعض الناشرين يجلسون مسترخين تماماً، وقد ارتفعت مبيعات بعض الروايات التي مات مؤلفوها منذ زمن بعيد، وقرصنة الكتب جاهزة، فلا ورثة يلاحقون الناشر قانونياً، خصوصاً عندما يكون هؤلاء منشغلين في الوقاية من الفيروس الذي لا يحمل هوية بعينها ولا جواز سفر، ولا ورثة أيضاً يلاحقون المترجمين المتطفلين على روايات عالمية تستعاد قراءتها في أحداث عالمية أيضاً تتجاوز الحروب مثلاً، وتصبح أحداثاً كارثية لأنها لا تُرى بالعين المجرّدة، ولا تلتقطها رادارات الدول «المثالية» في تصنيع وبيع الأسلحة.
هذا ما يجري مع «كورونا» الآن، الذي أصبح هو الخبر وهو التعليق، وأوّل صحفي ينشر خبر اكتشاف لقاح لهذا المرض، سيكون قد حصل على سبق مهني تاريخي.
لكن الأمر في الأدب مختلف تماماً، فقد ارتفعت مؤخراً مبيعات رواية «الحب في زمن الكوليرا» للكولومبي النوبلي جابرييل جارسيا ماركيز، وصدرت في عام 1985. ومن لم يشتر الرواية، فقد اكتفى بسيل التعريف بها من جديد من خلال عشرات المقالات الثقافية التي راح كتّابها يستعيدون للقارئ قصة الحب التي جمعت بين «فلورينتينو»، و«فيرمينا» في السبعين من عمريهما على متن سفينة يشاع أن بعض ركّابها مصابون بالكوليرا. وسيكون العاشق السبعيني فلورينتينو هو من وراء هذه الشائعة، ليمضي كل الوقت، بل إلى الأبد مع الحبيبة التي كان فقدها في شبابه.
من حيث الإيقاع، فالصوت الموسيقي لكلمة «كورونا» يقترب من موسيقى كلمة «كوليرا»، لكنها في الحالين موسيقى سوداء، أو موسيقى جنائزية، ومن حيث الواقع فإن وباء القرن الحادي والعشرين ليس شائعة، بل حقيقة مُرّة، على رغم اجتهادات كتّاب يُسمّون دائماً «كتّاب المؤامرة»، فمرّة تتآمر أمريكا على الصين كي تضرب اقتصادها الضخم بفيروس يقال إنه هرب من وطواط، ومن ثم تتآمر الصين على أمريكا، فتصنّع الفيروس، ثم تستثمره في شراء عشرات الشركات الآيلة للإفلاس.
لا شأن لنا في المؤامرة، والحب في زمن الكوليرا وزمن الكورونا، فالأوبئة، ومن باب ربّ ضارّة نافعة، ها هي تروّج للأدب، وفي العام الماضي عندما احترقت كاتدرائية نوتردام في باريس، ارتفعت مبيعات رواية «أحدب نوتردام» لفيكتور هيجو التي نشرت في عام 1831، وعندما وصلت هبّة «الربيع العربي» إلى ذروتها قبل سنوات، راح القرّاء يبحثون عن صورة الطاغية في رواية «1948» للكاتب الإنجليزي جورج أورويل.
لن نصدّق كتّاب المؤامرة، بل، نصدّق الناشر المسترخي، ومبيعاته إلى ارتفاع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"