لماذا فشل الاستفتاء الكردي؟

04:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

ذهب إقليم كردستان العراق، عبر خيار الاستفتاء على الاستقلال عن العراق، نحو استثمار الحق القانوني المعروف بحق تقرير المصير، والمدعوم بقرارات عديدة من قرارات الأمم المتحدة، لكن من المعروف أن هذا الحق، وبغض النظر عن أسانيده القانونية الأممية، هو في نهاية المطاف ليس معزولاً عن صراع الإرادات الإقليمية والدولية في لحظة تاريخية محددة السمات، وتمثل حصيلة تلك الإرادات في تناقضاتها أو توافقاتها الإمكانية الفعلية لتطبيق حق تقرير المصير. فليس ثمة حقوق مجردة عن إمكانية تحقيقها، حتى ضمن سياق الفهم القانوني، فكل قانون يحتاج إلى قوة التنفيذ المرتبطة بظرف محدد. وهذا المبدأ بالتزامن بين الحق والإمكانية يصبح أساسياً أكثر في أماكن النزاعات أو الدول الفاشلة، خصوصاً مع تضارب وجهات النظر حول ذلك الحق بين مختلف الأطراف السياسية.
وفعلياً، بنى رئيس الإقليم مسعود البرزاني خياره في الذهاب نحو الاستفتاء «تقرير المصير» على مستويين من المعطيات، معطى داخلي يتعلق بتوازنات القوة في الإقليم، والآخر خارجي يتعلق بظرف العراق والمنطقة. ففي المعطى الداخلي ثمة استحقاقات عدة أمام البرزاني، وأولها استحقاقان انتخابيان، هما انتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة، فمؤسسة الرئاسة منتهية ولايتها منذ العام 2105، إضافة إلى الصراع بين أربيل والسليمانية، ووجود قوى منافسة للحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب البرزاني)، وذات توجهات سياسية مغايرة، وأهمها حركة التغيير (كوران)، وهي القوة السياسية الثانية في البرلمان، وقد أراد البرزاني إعادة توليد شرعيته، من خلال إحداث إجماع قومي كبير، وتحقيق حلم الأكراد بدولة قومية، وهو ما يحوّله إلى رمز قومي فوق أي انقسام سياسي داخلي، ويصبح بالتالي من الصعب تجاوزه، بما يملكه من رصيد شعبي داخل إقليم كردستان، أو لدى عموم الأكراد.
على المستوى الخارجي، (أي خارج الإقليم)، كانت البيشمركة قد أحرزت خلال العامين الأخيرين مكانة كبيرة عبر قتالها تنظيم «داعش»، وتمكنها من السيطرة على كركوك وسهل نينوى، وقد رفعت في مارس/ آذار الماضي العلم الكردي فوق جميع مباني المؤسسات الرسمية في كركوك، في ظل وضع عراقي هش، وتراجع لمكانة الجيش العراقي، خصوصاً منذ استيلاء «داعش» على الموصل في يونيو/ حزيران 2014، وما تلا ذلك من أزمات داخل قيادة الجيش العراقي، واتهامات كثيرة لبعض قياداته بالتخلي عن مهامها، أو وجود اختراق في صفوفها.
وعلى الرغم من كل المواقف الإقليمية والدولية الرافضة للاستفتاء، أو الداعية للتريث، إلا أن البرزاني مضى في هذا الخيار، معتمداً في هذا المسار على إمكانية اللعب على التناقضات التركية - الإيرانية، وهما الدولتان الأكثر فاعلية في الملف العراقي، فثمة مصالح واسعة وعلاقات جيدة بين تركيا والإقليم، قد لا تجعل تركيا توافق على المضي نحو الاستقلال، لكنها ستمنعها من التوافق مع إيران على تحجيم دور البرزاني، وهو ما يجعل البرزاني يستفيد من هذا التناقض، ويستثمر في عامل الوقت، ضمن التناقضات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط.
ثمة ثلاث قراءات خاطئة في ذهاب الإقليم نحو الاستقلال، تتمثل الأولى في تقدير حجم التناقضات الكردية - الكردية داخل الإقليم، وتأثير القوى المنافسة للبرزاني، وتتمثل الثانية في اعتبار أن مصالح تركيا مع الإقليم أهم من مصالحها مع إيران، وهو تقدير كان يمكن أن تفنده أي قراءة لواقع الأرقام المتعلقة بالمصالح الاقتصادية بين أنقرة وطهران، إضافة إلى التحولات السياسية التي أجراها الرئيس أردوغان بعد فشل الانقلاب عليه في يوليو/ تموز 2016، إضافة إلى حساسية الملف الكردي في حسابات الأمن القومي التركي.
أما القراءة الثالثة فكانت تجاه الموقف الأمريكي، فعلى الرغم من الاعتراف الأمريكي بما أحرزته البيشمركة في قتال «داعش»، إلا أن الهدف الرئيسي لأمريكا في العراق هو تحجيم الدور الإيراني، وقد دعمت واشنطن رئيس الوزراء حيدر العبادي في وجه نوري المالكي، وهي لا تريد فعلياً إحداث أي فشل كبير للعبادي، في الوقت الذي يستعد فيه للانتخابات البرلمانية في إبريل/ نيسان المقبل.
لقد أكدت الوقائع التالية للاستفتاء أنه كان خطوة غير محسوبة سياسياً، وأن نتائجها أفقدت الإقليم مكتسباته التي كان قد أحرزها خلال العامين الماضيين، فقد اضطرت قوات البيشمركة إلى التراجع إلى حدود 2003، بعد دخول القوات العراقية إلى كركوك، كما اضطرت قيادة الإقليم إلى طرح تجميد نتائج الاستفتاء، وانكشف حجم التباين بين أجنحة السياسة الكردية الداخلية، والتي تمهد لحالة انقسام كردي قوية داخل الإقليم، وفتح ملف خلافة البرزاني، وما سوف يطرحه هذا الملف من صراعات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"