الاختزالية الأمريكية في مقاربة الإسلام السياسي

02:58 صباحا
قراءة 4 دقائق
حسام ميرو
راهنت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، في سياق «الربيع العربي»، على الإسلام السياسي في نسخته الإخوانية، انطلاقاً من رؤية خاطئة إلى موقع الإخوان في بلدان ما يسمى «الربيع العربي»، يضاف إليها نظرة خاطئة أخرى إلى طبيعة البلدان نفسها التي عرفت انتفاضات ذلك «الربيع». مهمشة، في رهانها الذي اختارته، القوى الليبرالية واليسارية والعلمانية، على الرغم من تاريخها الإعلامي الحافل في الدعوة إلى نشر الديمقراطية في العالم، وهو الادعاء الذي لم يصمد، في غير تجربة، على محك الواقع الفعلي.
ولم تأخذ إدارة أوباما بالجدية الكافية طبيعة العلاقات ما قبل الوطنية التي تسود دول ما يسمى «الربيع العربي»، من مثل المناطقية، والقبلية، والإثنية، والدينية، وهي العلاقات التي ستبرز لاحقاً في خضم حالة الاستعصاء التي عرفها تغيير النظم السياسية، وستلعب دوراً سلبياً في اصطفافات القوى المتصارعة، سواءً الداخلية أو الخارجية، خصوصاً أن العقد الاجتماعي القديم الذي راح ينهار ترك فراغاً، سارعت الهويات ما قبل الوطنية، والتنظيمات الجهادية التكفيرية إلى ملئه.
وقد أولت أمريكا عقب أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 الإسلام السياسي اهتماماً خاصاً، وهو ما برز جلياً في نشوء عدد كبير من الهيئات والمراكز المتخصصة في دراسة الإسلام السياسي، وتحديداً الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وربما كان تقرير مؤسسة «راند» القريبة من البنتاغون، والصادر في عام 2004، هو التقرير الذي مهّد الطريق بشكل واسع أمام تبني خطط دعم ما عرف ب«الإسلام المعتدل»، في مواجهة الإسلام المتشدّد في نسخته «القاعدية»، التي شكّلت مصدر تهديد مباشراً للأمن القومي الأمريكي.
وفي المواجهة الأمريكية مع تنظيم «القاعدة» تبنت إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش خططاً لدعم دول عدة، فيما عرف بدول «ما وراء البحار»، من أجل أن تساعد تلك الدول في عملية القضاء على «القاعدة» وقياداتها، واختراق بنيتها التنظيمية، وإغلاق الحدود أمام عناصرها، ووضعت الولايات المتحدة الأمريكية ميزانيات هائلة لتنفيذ تلك الخطة، لكن النتائج الفعلية، أقله من وجه نظر إدارة أوباما، ليست مرضية، ولا يمكن التعويل عليها، طالما أن دول ومجتمعات الشرق الأوسط تفرّخ المزيد من المتشددين، وبالتالي فإن الحلّ الأنجع هو دعم قوى إسلامية تنتمي إلى حقل السياسة، وليس إلى حقل العمليات الانتحارية.
لكن الحجم الفعلي، والوزن السياسي، للإخوان المسلمين لم يكن في الواقع كما تصوّرته إدارة أوباما، بالإضافة إلى أن تجربة تنظيم «الإخوان» في المعارضة، والعمل السري، أبقته فصيلاً حزبياً، من دون امتلاك رؤى حقيقية لفكرة الدولة، أو خبرات حقيقية في إدارة أجهزتها، كما أن الكثير من كوادره كانت مغتربة منذ زمن طويل عن واقع بلدانها، كما في الحالة السورية، وهو ما يظهر حالة السذاجة في التصوّر الأمريكي.
لقد قامت الاستراتيجية الأمريكية في ولايتي الرئيس أوباما على مواجهة الإسلاميين المتشددين بإسلاميين «معتدلين»، انطلاقاً من سيناريوهين، يفترض الأول منهما نجاح الإخوان المسلمين، وهو ما يعني أن يكونوا ملزمين بمواجهة القوى «الجهادية»، وهو ما يصب في مصلحة أمريكا، أما السيناريو الثاني فيفترض فشل الإخوان في مواجهة المتشددين، ما يعني ظهور صراع بين القوى الإسلامية نفسها، وهذا السيناريو أيضاً يصب في مصلحة أمريكا، إذ إنه يجعل منها ساحة بعيدة عن مرمى العمليات الإرهابية، ويقلّل بالتالي مخاطر العمليات الإرهابية على الأمن القومي الأمريكي.
إن السيناريوهين السابقين رجّحا أن الإخوان المسلمين سيصلون إلى السلطة في بلدان ما يسمى «الربيع العربي»، مع وجود الوكيل التركي الداعم لصعود الإخوان في المنطقة، خصوصاً أن شرائح اجتماعية واسعة في المنطقة العربية عدّت تجربة حزب العدالة والتنمية التركي تجربة ناجحة، وهو العامل الذي عدّته الاستراتيجية الأمريكية عاملاً قوياً في إيصال الإخوان المسلمين إلى الحكم، لكن تلك الاستراتيجية لم تعطِ قيمة كبيرة لعوامل أخرى في بنية المجتمعات العربية، أو لتوازن القوى الإقليمية.
أثبتت الرؤية الأمريكية حيال الإسلام السياسي أنها رؤية تجريبية، تختزل قوى المنطقة إلى نظم حاكمة، فشلت في إدارة دولها وشعوبها، وإلى قوى إسلامية لم تأخذ حقها في الحكم، على الرغم من قاعدتها الشعبية الواسعة، متناسية، في تلك «الاختزالية»، الديناميات الخاصة لكل مجتمع من المجتمعات في العالم العربي، ومتناسية الدور الأمريكي التاريخي في تبني سياسات داعمة للأنظمة العسكرتارية، ومتناسية تناقضات المصالح لدول الشرق الأوسط، والتي ستذهب في الدفاع عن مصالحها إلى مديات واسعة من المواجهة.
إن الوقوف على الاستراتيجية الأمريكية لإدارة أوباما اليوم في دعم الإخوان المسلمين يظهر مدى كارثيتها، ليس فقط على شعوب المنطقة، بل على العالم بأسره، فتنامي القوى الإرهابية الذي فرضته حالة الفوضى في الشرق الأوسط، وغياب التوازن الإقليمي، لن يكون من دون ثمن كبير على المصالح الغربية عموماً، وعلى المصالح الأمريكية على وجه الخصوص، وما المد اليميني المتنامي في أوروبا اليوم إلا أحد نتائج الفشل الأمريكي في فهم منطقة الشرق الأوسط، وفهم الطريقة التي تنشأ فيها ردود الفعل، وتجتاز المسافات والحدود.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"