ملاحظات وأسئلة لقوى الإسلام السياسي

04:07 صباحا
قراءة 4 دقائق

في الماضي كتبت شخصياً مرتين، كما كتب الكثيرون، للدفاع عن حق أحزاب وحركات الإسلام السياسي في تولي الحكم، إذا تم ذلك عن طريق انتخابات حرة نزيهة . توليهم للحكم في هذه الحالة هو تنفيذ لإرادة الشعب الحرة والاعتراض عليه لأي سبب كان هو اعتراض على اللعبة الديمقراطية .

وأكد الكثيرون أن ذلك القبول مشروط بالتزام تلك القوى الإسلامية باحترام تعددية القوى والإيديولوجيات السياسية وبالانصياع لمبدأ تبادل السلطة إذا قررها الشعب من خلال انتخابات ديمقراطية دورية .

عند ذاك فإن استمرار تلك القوى في الحكم، أو استبدالها بقوى أخرى، سيعتمد على مقدار رضى المواطنين واقتناعهم بأن سلطات الحكم تخدمهم وتلبي مطالبهم الحياتية المشروعة، فيتم انتخابها المرة تلو المرة، أو يهجروها إلى غيرها إذا لم تقم بذلك الواجب . وضمن ما كتب آنذاك هو أنه لو رفعت أحزاب وحركات الإسلام السياسي الحاكمة مصاحف القرآن الكريم على أسنة الرماح فإن الشعب لن يعيد انتخابها إذا فشلت إبان حكمها في ساحات الاقتصاد والعمل والسكن وخدمات الصحة والتعليم والاستقلال الوطني، وغيرها الكثير . فالدين في نهاية الأمر هو وسيلة إعمار الأرض والسمو بإنسانية البشر وليس بالصّك غير المشروط لاستلام السلطة أو البقاء فيها .

اليوم وقد مرت سنتان على تسلم الإسلاميين الحكم في مصر وتونس، وقد يكون البعض في طريقهم لتسلم الحكم في أقطار عربية أخرى، يجدر أن يصار إلى إبداء ملاحظات وطرح أسئلة بكل موضوعية وطهارة نية على الجميع، على الذين يحكمون وعلى الذين سيحكمون .

* أولاً: لقد أرتكبتم ومازلتم ترتكبون أخطاء سياسية وإدارية وخطابية وعلائقية كثيرة وجسيمة . وتصل الأخطاء أحياناً إلى حدود التخبط والجهل المفجع لروح العصر الذي تعيشه أمتكم ويعيشه العالم . فإذا كنتم قليلي الخبرة فلماذا لم تستعينوا بغيركم من أصحاب الخبرة، وإذا كنتم قليلي العلم والمعرفة فماذا كان يضيركم لو استعنتم بمن يملكهما؟ ومن المؤكد أن الاستعانة بهؤلاء، أو أولئك ليس انتقاصاً لأحد، وهو جزء من عصر تفجر المعرفة .

أما أن تظلوا تجربون وتخطئون، ثم تعتذرون، فإن ذلك قد يكون مقبولاً في البداية ولكنه حتماً مستهجن إذا طال أمده .

* ثانياً: بعد تطور وتشابك الأحداث المتسارعة إبان فترة ما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي الانتقالية، وبروزكم القوي المفاجئ على مسرح الأحداث، وتبدل طبيعة مهماتكم السياسية، انتظر الكثيرون أن تحسموا مواقفكم بالنسبة للعديد من المواضيع التي واجهتها مجتمعات مابعد الثورات . من أبرز تلك المواضيع هو اتخاذكم لموقف، واضح وصريح ولاغمغمة فيه، من بعض التوجهات الإسلامية السلفية المتزمتة فقهياً إلى حدود الجمود التاريخي والتخلف الفكري التي نصب بعض معتنقيها أنفسهم، خارج ماتسمح به القوانين وبالتعارض مع نصوص الدساتير المنظمة لحقوق المواطنين . نصبوا أنفسهم كأوصياء على ضمائر العباد وحرياتهم الشخصية واستقلاليتهم الإنسانية . بل ومارسوا تلك الوصاية باللسان الجارح المهين وأحياناً باليد الباطشة المعتدية الإرهابية .

لقد انتظر الناس أن يكون لكم موقف رفض وشجب علني واضح، ودخول في معركة حاسمة، لاتردد فيها، مع مدعي تلك الوصاية، وذلك باسم واجبكم الديني، وأنتم تقولون إنكم من الوسطيين، وباسم واجبكم كسلطة حكم تحمي الحقوق والحريات الأساسية في مجتمعاتها .

والواقع أن موقفكم من موضوع الحرية، بكل تعددها وظلالها في حياة المواطنين، وعلى الأخص في ميادين السياسة والفكر والفن والحياة الشخصية للرجل والمرأة على السواء، هذا الموقف سيرسم إلى حد كبير مستقبل وجود الإسلام السياسي في أرض العرب . ولعلكم تعونه قبل فوات الأوان .

* ثالثاً: ثم هناك موضوع ثالث خطر يحتاج إلى حسم . أنه جواب السؤال الآتي: هل سيكون منطق حكمكم، وبالتالي تصرفاتكم ومواقفكم في أقطاركم وعبر كل المنطقة، باسم الإسلام الواحد الجامع، أم باسم هذا المذهب أو ذاك، وضد مذهب هذه الجهة أو تلك؟ وأنكم لتعرفون جيداً أن هذا الموضوع أصبح أداة من أدوات تفتيت وتدمير أرض العرب والمسلمين، ومقاومته ستحتاج إلى مواقف وليس إلى أقوال علاقات عامة . تلك أمثلة ثلاثة، لأن المجال لا يسمح بأكثر من ذلك . وفي النهاية فإن الهدف هو المساهمة في ألا تفشل التجربة الديمقراطية في أرض العرب . ذلك بأننا، نحن الذين نادوا بضرورة أن يكون هناك مجال مفتوح لكل القوى السياسية، من دون استثناء، بما فيها قوى الإسلام السياسي، في فضاء الديمقراطية العربية الصاعدة، لانريد للزخم الديمقراطي أن يتراجع، ولا نريد للناس أن ينفضوا من حول الربيع العربي بسبب نفاد صبرهم تجاه كثرة الأخطاء وضعف الحسم . إننا جميعاً يجب أن ندرك أن الثورات المضادة لروح وشعارات الربيع العربي ستبقى معنا لفترة طويلة، وأن معسكر الامبريالية - الصهيونية لن يتركنا لحالنا قط . وليس من دواء لدحر الجهتين إلا دواء الديمقراطية الشاملة العادلة . من هنا أملنا في أن يعي الجميع أهمية لعبهم أدوار الدفاع عن المشروع الديمقراطي وإنجاحه، وذلك بالابتعاد عن أي فكر أو ممارسة أو تهويمات تشكك الناس في هذا المشروع . هذا من حق الذين ماتوا في سبيله ومن حق الذين سيعيشون ليتمتعوا بثماره .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"