نظرة عربية على «دبي العالمية»

محمد بن راشد في عيون المفكرين العرب
03:37 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمود الريماوي

دبي ابنة البحر، وسليلة الصحراء، وذات التوأمة مع التجارة والسياحة والعقار. لكنها قبل ذلك وبعده حصيلة رؤية متبصرة وخلاقة لمن يديرون دفة هذه الإمارة الصغيرة ( 5 في المئة من مساحة دولة الإمارات) حيث باتت عاصمتها دبي تصنف مدينة عالمية منذ العام 2008 من قبل مجموعة دراسات العولمة والمدن العالمية: إلى جانب باريس وطوكيو ونيويورك ولندن وبكين وشانغهاي وسيدني. وهي المدينة العربية الأولى، والوحيدة حتى الآن التي تحظى بهذا التصنيف العالمي.
من دواعي فخر العربي ان تتمتع حاضرة عربية هي دبي بهذا المركز العالمي المرموق. شعور بالفخر مع قدر من الثقة بالمستقبل، فإذا كانت حواضر عربية تاريخية قد أصابها ما أصابها من تراجع وانتكاس، فثمة في عالمنا العربي فسحة كبيرة للأمل مع نمو حواضر جديدة في زمن قياسي وفي الطليعة منها دبي: إمارةً ومدينة، وجزءاً لا يتجزأ من دولة الإمارات العربية المتحدة.
يصعب في مقال حصر جوانب الريادة والتميز في تجربة دبي، التي تبلورت أكثر فأكثر، وأوضح وأزهى خلال السنوات العشر الماضية، وهي الفترة التي تولى فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مقاليد حكم إمارة دبي، ثم تولي سموه موقع نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس وزراء الدولة، والتي تحضر ذكراها العاشرة هذه الأيام.
لا بد هنا من إيراد بعض الشواهد الدالة على ما يحتسب اعجازا قد تحقق بالفعل في إمارة دبي. فمنذ خمسينات القرن الماضي كانت جموع السياح الخليجيين ومنهم السياح الاماراتيون تتوافد بانتظام في أشهر الصيف على القاهرة وبيروت ودمشق وعمّان. وبينما كانت هذه الحواضر تبدو عواصم للإقامة والعمل والسياحة معا، فقد كانت صورة العواصم الخليجية الماثلة آنذاك في الأذهان كما في الأعيان هي انها تشبه معسكرات العمل، ولا شيء فيها يشكل عنصراً جاذباً للسياحة. زيارة بلد خليجي للسياحة، كانت تبدو فكرة غريبة جدا وبعيدة تماما عن الواقعية.
لقد تغيرت الصورة بفضل مبادرات دبي والإمارات العربية المتحدة، فقد اصبحت العديد من العواصم الخليجية حواضر سياحية، وليست مجرد عواصم صحراوية لامعة كما ترسخ الانطباع عنها لزمن طويل. هناك الملايين من البشر من أربعة انحاء المعمورة زاروا ويزورون دبي لأغراض تتصل بالسياحة، وخرجوا منها بأفضل انطباع. وبفضل حركة السياحة والاستثمار وحركة المقيمين والمواطنين غدا مطار دبي الدولي واحداً من افضل عشرة مطارات في العالم، وتقصده نحو 120 شركة طيران من مختلف انحاء العالم. والمطار كمهبط وميناء جوي اذ يخدم عشرات الملايين من الزائرين والمغادرين، فهو إلى جانب ذلك تحفة معمارية عصرية ومنشأة استثمارية كبرى تحتضن عشرات الشركات والمؤسسات.
قبل بضعة عقود من الزمن كان تحقق هذا الأمر يبدو ضرباً من الأحلام، أو ينمّ عن المبالغة في الطموح والشطط في الخيال!..
ان تتحول رقعة من الصحراء إلى حاضرة تنبض بالخضرة والعمران والحيوية، ذلك هو العنصر الأول الجاذب للسياحة، والى جانبه عنصر لا يقل أهمية، فالزوار من مشارق الأرض ومغاربها يأتون للتعرف على دبي وأهلها ويوميات عيشها ونمط حياتها، ويأتون كذلك للتعرف على العالم في دبي! إذ يُعرف عن هذه الإمارة توفرها على أكثر من 160 جنسية ويتمتع هؤلاء الوافدون بحرية ممارسة شعائرهم وأنماط معيشتهم، في إطار من احترام القوانين العامة، بالمراعاة المتبادلة لمشاعر الآخرين. وعلاوة على ذلك فإن كل مجموعة من هذه المجموعات تترك أثراً في حياة المدينة وأساليب عيشها، من الأزياء إلى الأطعمة إلى الروائح إلى الموسيقى والغناء وأساليب تزجية أوقات الفراغ وسوى ذلك، وهو ما جعل دبي قرينة لحواضر عالمية أخرى تمتاز بوفرة أعراق المقيمين فيها. وهذه ايضا تجربة فريدة في عالمنا العربي. وتُحيي مأثوراً طيباً سابقاً حين كانت القاهرة وبيروت والاسكندرية ودمشق وحلب وبغداد والقدس وعمّان تتسع لأعراق مقيمين فيها كاليونانيين والأرمن والأتراك وأبناء القوقاز وسواهم. وبينما حافظت المدينة على فضائها الاجتماعي المحتشم، وعلى نسق أواصر اجتماعية موروثة، فقد اتسعت المدينة لأنماط «عصرية» أخرى يعبر عنها وافدون ومقيمون وزائرون من أقصى الشرق والغرب، وهو ما منح العاصمة طابعاً تعددياً في كنف الطابع الوطني الأصيل.
يستشهد كثيرون منا بسنغافورة البلد الآسيوي الصغير الذي حقق تطوراً مذهلاً خلال بضعة عقود، وكنموذج لارادة التقدم والتطوير رغم شُح الموارد الطبيعية. ولا شك أن الاستشهاد صائب وفي مكانه، غير أنه وما دام الشيء بالشيء يذكر فإن التطور الشامل الذي حققته دبي لا يقل عن ذاك الذي أصابته دول أخرى، وهو ما جعل المجموعة الدولية تختار دبي مدينة عالمية إلى جانب سنغافورة (المدينة). وحسب المرء الاستشهاد بما تجتذبه دبي من ملايين العاملين فيها، والمتعاملين مع مؤسساتها، والشركاء والمساهمين في استثماراتها والمستفيدين من خدماتها التجارية والمالية والملاحية، وهو أمرٌ غير متاح في دول متقدمة عديدة في عالمنا، علاوة على ما توفره دبي من فرص الاستثمار بقوانين عصرية مأمونة ومتطورة.
وما يتعين قوله في خاتمة هذه الإطلالة أن النفط والغاز كانا شرياناً أمد الإمارة بالحياة، لكن دبي لم تكن صنيعة النفط، وانتاجها من هذه الثروة (بعيداً عن ايراد ارقام متاحة..) هو أقل بكثير من انتاج حواضر أخرى، بينما يرتفع فيها استهلاك هذه الثروة وذلك لوفرة مشاريعها الضخمة والطموحة.
ولعل «كلمة السر» في تفوق دبي تكمن في حسن استثمار الموارد، وتوليد موارد جديدة مادية، ومعنوية ( المعرفة، التعليم، تكنولوجيا المعلومات ) والحوكمة الرشيدة، والتواصل الحي والدائم مع القاعدة الاجتماعية، ومواكبة العصر مواكبة حثيثة ومن داخله، ومن موقع الشراكة وليس بالوقوف خارج العصر موقف المتفرج المذهول أو المكتفي بالاستهلاك الشره..
أما لماذا سبقت دبي حواضر اخرى في المشرق والمغرب؟ فاجتهاد الكاتب هنا أن قيادة دبي ظلت مفعمة بالطموح لبلوغ ما بلغته مراكز وحواضر عالمية، وقد جدّت في السير على هذا الطريق السريع، ولم تقصُر طموحها على التنافس مع دول عربية أو قريبة أو صديقة، وقد فازت في رهانها هذا.
..مع أطيب مشاعر التهنئة والمباركة لدبي وقيادتها وأهلها، ولعموم الأشقاء في دولة الإمارات بهذه المناسبة العزيزة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"