حلم عربي أم مارد أبيّ ؟

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

نحن بشر، والإنسان بطبيعته فضولي، ولقد دفعنا هذا الفضول دوما لبلوغ غاياتنا وأهدافنا، كما يدفعنا اليوم، وسيدفعنا في المستقبل، وما يجري اليوم على الساحة ليس أحداثاً عادية، إنما أحداث مصيرية سيسطرها التاريخ في النهاية لتشكل بعضاً من صفحاته المشرقة .

لقد كان العالم حتى لحظات قريبة يدور في حلقة مفرغة، يردد فيها كلمات متشابهة، ويشاهد الصور ذاتها عاماً بعد عام . لكن الزمن قد تغير، وبتنا اليوم نمسك بزمام الأمور، ولم نعد ندور في عجلة الزمن كما كنا نفعل، فقوة ما يحدث على الساحة العربية دفعتنا خارج تلك الدائرة .

لقد استفاق الشعب العربي، نظر حوله ونطق بالحرية بعدما ظل لسنوات طويلة يئن تحت وطأة الفساد، وبعدما تحمل ما لا يحتمل من القهر والاضطهاد حتى بات الموت أرحم عليه من الاستمرار في العيش في ذلك الواقع المرير حيث انتزعت منه أبسط حقوقه، تلك الحقوق التي صار البعض يعتبر المطالبة بها نوعاً من الرفاهية! حتى الأحلام الجميلة التي كانت تبقي بعض الأمل بحياة كريمة وئدت داخل قبضة الفساد الذي تفشى كالسرطان في جسم بعض المجتمعات العربية . والحلم الوحيد الذي اكتمل وصدّر إلى الشعوب الطموحة في العالم هو الحلم الامريكي، الذي لا تتوفر منه نسخة عربية .

لقد بتنا اليوم نسمع عن الأحداث الدائرة في الدول العربية في كل مكان ؛ في البيوت، في الشوارع، في المقاهي، وفي المنتديات . . يتحدثون عن حمى الثورة في العالم العربي، تلك الحمى التي وقف البعض حائراً أمامها، وتردد في تشخيصها وفي معرفة أسبابها لأنه تدرب واقتنع أن القرار العربي لن يكون صائباً في يوم من الأيام، بينما اندفع البعض الآخر إليها ومعها غير خائف منها، بل فخوراً بها لأنها الحمى التي ستفضح وجود علة كامنة في مفاصل مجتمعات حقنت بالفساد .

لو دخلنا دائرة النقاش، بعدما خرجنا من دائرة الفساد، لوجدنا السياسة قد احتلت الجزء الأكبر منها، لكننا لو فكرنا بعقلانية، وتعمقنا في داخل كرة الثلج التي تتعاظم يوماً بعد يوم، لوجدنا أن السياسة بعيدة كل البعد عن ثورات الشباب، إنها ثورات الشعب المقهور في كل من تلك البلدان، الشعب الذي إن قام قامت الدنيا معه، الشعب الذي يبحث عن حقوقه الضائعة، وعن لقمة عيشه الهنيئة .

لقد بدأت الثورة بشرارة عندما أضرم محمد بوعزيزي النار في جسده وسط شارع متواضع من شوارع تونس . لم يكن بوعزيزي سياسياً، ولم يكن ليعرف أن موته سيكون أداة في الأجندة السياسية، ولم يكن بو عزيزي ليتخيل أن الحروق التي ألهبت جسد بائع متجوّل، سترفع أسعار النفط، وتؤثر في اقتصاد عدد من البلدان . لقد كان بو عزيزي شاباً بسيطاً لا يحلم حتى بغد أفضل، لكن موته جعل الملايين يخرجون إلى الشارع تاركين العالم مشدوها، العالم الذي راح يراقبهم عن كثب فوجدهم يتصدون للموت بصدورهم العارية كي لا يعودوا إلى حياتهم البائسة، مشوا تحت وابل من رصاص لم يرحم مطالبهم ولا إنسانيتهم، ضحوا بأرواحهم لأنهم مدركون أن الدم لا بد أن يهرق على باب الحرية .

وراح القناصة يتصيدون الناس كالعصافير من على أسطح المنازل والسيارات، بل وصل الأمر بأصحاب

السلطة إلى حد استخدام الأسلحة الجوية فأوقعوا

المئات من الضحايا في سبيل إبقاء صورهم معلقة على الجدران في مكاتبهم وهم لا يدركون أنها ستزال في يوم من الأيام .

لقد خذلوا الشعوب، وأنكروا حقوقهم و تمسّكوا بكراسيهم حيث كانوا ينظرون إلى الملأ من عل . رفضوا الرضوخ، ولم يلبوا رغبات العالم، وصمّوا آذانهم أمام الصراخ الرافض لوجودهم، ضحوا بالنفيس لأجل الرخيص، وصارت الأنا محور حياتهم وعلة بقائهم . . لم يكتفوا بثلاثين عاماً ولا بأربعين، فحب السلطة بات مثل وحش ينمو في داخلهم ويلتهم كل ما يعترض طريقه .

إن عدوى الثورة ستنتقل لتخط عبارات فخر في كتب التاريخ، وتكون وجهاً جديداً للسياسة التي أعاد الشعب صياغة مفهومها بعدما كانت مجرد تحالفات سياسية زائفة وثقة وضعتها الشعوب في غير موضعها، لقد سقط الطغاة واحداً تلو الآخر، ولم يعد الحلم العربي حلماً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"