حملة أمريكية روسية ثانية لمصلحة نتنياهو

02:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
حافظ البرغوثي

ترنح الوضع الانتخابي لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، رغم الدعم الذي حظي به من الرئيسين الروسي والأمريكي في الانتخابات السابقة التي جرى بعدها حل الكنيست بعد تعذر تشكيل حكومة جديدة. وبدت آفاق استعادة نتنياهو لمقاليد الحكم والنجاة من الملاحقة بتهم الفساد مستعصية، بعد تكاثر المنغصات الانتخابية أمامه، والدعوات لإسقاطه من داخل حزبه وتشتت أحزاب اليمين.
وكان نتنياهو على استعداد لتقديم كل التنازلات لكي يبقى في منصبه، وكان يراهن على «صفقة القرن» كرافعة سياسية له، لكن تأجيل طرحها جعل السفير الأمريكي فريدمان، يكشف عن بعض بنودها لدعمه. ومع ذلك تشير بعض التقديرات إلى أن عدم حسم الملف النووي الإيراني قبل الانتخابات سيفشله مرة أخرى.
الآن يبدو أن الملف الإيراني لن يحسم قريباً، ويبقى معلقاً، لذا سارع حلفاء نتنياهو في واشنطن الى الإعلان عن طرح الجانب السياسي من صفقة القرن خلال أسابيع، أي قبل الانتخابات «الاسرائيلية» في سبتمبر/ أيلول المقبل، بينما اكدوا في السابق أن الصفقة، أو ما بقي منها سيعلن بعد الانتحابات «الاسرائيلية» وتشكيل حكومة جديدة. ويبدو أن عرّابَي الصفقة، وهما كوشنر، والسفير الأمريكي ديفيد فريدمان، سارعا الى إقناع إدارة ترامب بضرورة طرحها قبل الانتخابات كرافعة انتخابية لنتنياهو، لأنهما يتوقعان موتها في حالة عدم فوز نتنياهو. فالأحزاب الأخرى تستخف بها، ولا ترى فيها أية بارقة يمكن أن تفضي الى السلام، بل الى تعقيدات إضافية في الوضع القائم.
وكان المشهد الباهت في الورشة الاقتصادية سبباً إضافياً للتسريع بطرح الجانب السياسي، لأن الورشة بدت دون المستوى المأمول من حيث التمثيل، حيث طلبت دول عربية تخفيض مستوى التمثيل «الإسرائيلي» وألا يكون رسمياً. والتسريع في طرح الجانب السياسي هو عملياً، لدعم نتنياهو انتخابياً، بعد أن أثيرت شكوك حول قدرته على تحقيق أغلبية تتيح له تشكيل الحكومة المقبلة، خاصة بعد التغيرات التي طرأت على الخارطة الانتخابية، وهي عودة اسحق بيرتس لقيادة حزب العمل وإنعاشه، وعودة السياسي المخضرم الجنرال إيهود باراك الى المعركة الانتخابية بحزب جديد، واحتمال تزعّمه قائمة بالتحالف مع حزب العمل وميرتس، وكذلك عودة الأحزاب العربية الى القائمة المشتركة التي كان لها 13 مقعداً، ولما تفرقت في الانتخابات الأخيرة خسرت ثلاثة مقاعد، كما أن الخصم اللدود لنتنياهو، وهو الوزير السابق افيجدور ليبرمان، يكتسب شعبية اكثر بموقفه المضاد لموقف نتنياهو من حركة حماس، ومن الأحزاب الدينية اليهودية.
وهنا انبرى السفير فريدمان لدعم نتنياهو وأعلن أنه من حق «إسرائيل» ضم أجزاء من الضفة، والتحق به المستشار الأمريكي جون بولتون الذي أيد موقف نتنياهو القائل إن «إسرائيل» يجب أن تحتفظ بالاغوار لأسباب أمنية. وقد جاء تأييد بولتون اثناء لقاء أمني ثلاثي عقده بولتون والمستشار الروسي بيتروشيف مع نتنياهو الذي وصفه بأنه «لقاء قمة» لتعظيم أهميته أمام الناخب «الإسرائيلي»، ولتأكيد علاقته الجيدة مع الرئيس الروسي بوتين الذي يحظى بشعبية بين المهاجرين اليهود الروس، إضافة إلى الروس المسيحيين في دولة الاحتلال، وعددهم قرابة 900 ألف، كأن بوتين يدعوهم للتصويت لنتنياهو.
أما كوشنر، فأدلى بتصريحات مفاجئة حول الإعلان عن صفقة القرن خلال فترة قصيرة، وقبل الانتخابات «الإسرائيلية»، بعد أن لاحظ تداعي وضع نتنياهو في استطلاعات الرأي، وعجز الأخير عن إلغاء الانتخابات لوجوب وجود أغلبية ساحقة في الكنيست المنحل. ولعل حديث كوشنر فيه العجب العجاب، فهو يقول إن الصفقة قد تشمل توطين الفلسطينيين حيث هم الآن، أي توطين سبعة ملايين لاجئ خارج فلسطين، ويندمجون في أماكن إقامتهم مثل اليهود في البلاد الأخرى، إلا أنه لا يرى غضاضة في وأد القرارات الدولية بشأن اللاجئين، ولا يقدم ما من شأنه تحفيز الفلسطينيين على المشاركة سوى بكلمات غير دبلوماسية، حيث قال إن الرئيس ترامب معجب بالرئيس عباس، ويريد إشراكه في العملية، وهنا رد الرئيس الفلسطيني في لقاء مع الإعلاميين على ذلك بقوله، ليست القضية هوى وغراماً، بل قضية شعب، وقد لمست في أحد لقاءاتي الأولية مع ترامب انه منفتح، وأيّد حل الدولتين، وأيّد موقفنا في دولة في حدود سنة 1967 ونشر قوات أمريكية في الأغوار بدلاً من «الإسرائيلية»، بل وأبدى استعداده ليقول ذلك بعد الاجتماع، لكن، كوشنر هب واقفاً فجأة وقال لترامب «سيادة الرئيس، هذا سابق لأوانه»، وتم تذويب الموقف لاحقاً. وانتقد أبومازن الموقف الأمريكي ككل، وقال إنه في «ظل الوساطة الأمريكية لم نحقق أي تقدم منذ أوسلو، فما الذي يبقى للتفاوض، إذا تم شطب القدس واللاجئين والأغوار وضم المستوطنات؟ فنحن لن نقبل بأي وساطة أمريكية، وإذا استمر الحصار علينا، وسرقة أموالنا سنسلمهم كل شيء وليباشروا الاحتلال، خاصة أن نتنياهو ليس رجل سلام بالمطلق.
في المحصلة، سيكون الإعلان عن الجانب السياسي من صفقة القرن اعترافاً بالاحتلال، وشرعيته، وإسقاطاً للشرعية الدولية، ودعماً لحملة نتنياهو الانتخابية. فقد شرعن الأمريكيون ضم أراضي الغير بالقوة، بإعلانهم حول القدس والجولان والأغوار والمستوطنات، والإعلان عن الصفقة التي شارك نتنياهو شخصياً في صياغتها في هذا الوقت هو لإنجاحه انتخابياً فقط.. ولا أحد يعتقد بنجاح الصفقة سياسياً، أو اقتصادياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"