مصر والتهديد التركي

04:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نورالدين

ألقى التدخل العسكري التركي في ليبيا بثقله على المشهد في كل بلدان شمال إفريقيا، وفي منطقة شرق المتوسط. فتركيا تعد نفسها أنها معنية بما يجري شرق المتوسط من مشاريع استخراج الغاز الطبيعي والنفط. وكونها تعد بلداً متوسطياً وحامياً لقبرص الشمالية التركية، فهي ترى أن لها حصة طبيعية في ثروات ما تحت الماء، ولا يمكن لدول شرق المتوسط الأخرى أن ترسم الحدود البحرية الاقتصادية بطريقة لا تلحظ مصالح كل دول المنطقة. ومن هذا المنطلق منعت تركيا بالقوة سفناً أجنبية من التنقيب عن النفط في مياه قبرص الشمالية، وفي مياه تعدها تركيا ضمن حدود منطقتها الاقتصادية.
إذا وضعنا جانباً هذا الأمر، نجد أن كل ما تبقى من تحركات تركيا الخارجية تجاه ليبيا وشمال إفريقيا؛ يستهدف السيطرة على كل ثروة يمكن أن تصلها يداها. من ذلك أنها اتفقت مع حكومة فايز السراج على التنقيب عن النفط في المياه الليبية في تطلع لوضع اليد على جزء من هذه الثروات.
أما المشكلة الأكبر فهي البدء بإرسال قوات عسكرية؛ لمساندة قوات السراج في طرابلس. وتركيا بذلك تعمل على تأجيج الصراع في ليبيا في لحظة كانت قوات المشير خليفة حفتر تتقدم وتضيق الخناق على قوات حكومة السراج.
تجتمع في الحركة التركية عدة استهدافات:
1- السيطرة على جزء من ليبيا، وإذا تيسر لها على كل ليبيا والطمع بثرواتها، خصوصاً أن تركيا ليست بلداً نفطياً وتريد مساندة اقتصادها الذي يعاني متاعب مع دين خارجي وصل إلى 450 مليار دولار أو ما يعادل أكثر من 55 في المئة من الناتج القومي.
2- توسيع الهيمنة الأيديولوجية لسلطة حزب «العدالة والتنمية» المعتنقة لأيديولوجيا «الإخوان المسلمين» والساعية لإحياء العثمانية الجديدة؛ حيث اعتبر أردوغان ليبيا «أمانة عثمانية»، وهي تحاول التعويض عن فشل مشروعها في مصر بعد إطاحة محمد مرسي. وقد شجعها على إحياء هذا المشروع في ليبيا عودة حركة «النهضة» إلى السلطة في تونس؛ من خلال ترؤس البرلمان والهيمنة على الحكومة الجديدة. وهذا كان في أساس زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس، ومحاولة استمالتها إلى صف تركيا؛ لتحشيد الدعم لحكومة السراج؛ لكن الموقف الصلب للرئيس التونسي قيس سعيّد الرافض لمحاولات جر تونس إلى المستنقع الليبي، عرقل المحاولة التركية التي برأينا لن تتوقف لتوريط تونس.
3- لكن الأخطر هنا أن التدخل العسكري التركي يتجاوز حتّى المصالح التركية الاقتصادية والهيمنة الأيديولوجية ليصل إلى محاولة تهديد الأمن القومي لكل من مصر ومعها السعودية والإمارات.
وتدرك تركيا أن ضرب مصر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى يعني تخلية ساحة العالم العربي لها، وتسيّدها. وفي هذا السياق تحاول تركيا أن تستغل واقع بعض الدول التي تعتقد أنها يمكن أن تقف إلى جانبها مثل تونس ومن ثم الجزائر.
إن تدفق الجنود الأتراك ومعهم هؤلاء المرتزقة إلى ليبيا سيشكل خطراً داهماً على الاستقرار في ليبيا، ويزيد ويوسع من المساحة الجغرافية للحرب الأهلية. والأخطر أنه في ضوء الخلافات التركية مع مصر فإن الأمن القومي المصري سيصبح تحت مرمى النيران التركية على حدودها وسيكون بإمكان تركيا أن تخترق الأمن القومي المصري من على الحدود الشرقية لمصر مع ليبيا.
أكثر من ذلك فإن ليبيا مرشحة بعد التدخل العسكري التركي ومرتزقتها من مسلحي إدلب لتكون نقطة انطلاق و«توزيع» للتهديدات والمخاطر على كل منطقة شمال إفريقيا.
وتعول بعض الأوساط المناهضة للدور التركي على نقطتين: الأولى ان ليبيا بالنسبة لتركيا ليست سوريا. فسوريا تقع مباشرة على حدود تركيا البرية، ويسهل على تركيا التدخل فيها. أما ليبيا فلا حدود برية لها مع تركيا، وتقع على بعد آلاف الكيلومترات عن الحدود التركية، وليس أمام أنقرة إلا البحر أو الجو لإرسال المساعدات والدعم وهي لوجستياً عملية كلها مخاطر.
أما النقطة الثانية والأهم فهي الحركة المصرية تجاه ليبيا. فعلى الرغم من المخاوف من «المستنقع» الليبي، وعدم تكرار التجربة اليمنية في الستينات، فإن مصر لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخل التركي في ليبيا حتى يصل التهديد إلى حدودها مباشرة، وهي مطالبة بالتحرك إما منفردة ، أو في إطار جامعة الدول العربية؛ لمواجهة التهديد التركي المباشر والداهم للأمن القومي المصري، وربما هي فرصة مصر ومن معها لإلحاق هزيمة مؤذية جداً لأردوغان؛ لإخراجه حتى من السلطة في تركيا.
وفي انتظار استعادة مصر المبادرة في ليبيا وفي الوطن العربي، فإن الأمن القومي العربي، بدءاً من ليبيا، أمام تحديات جديدة لا تحتمل أي انتظار أو تباطؤ في اتخاذ القرار الحاسم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"