اختلافات ترامب ومن معه

02:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لا يدع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة تمر من دون أن يردد شعاره الأثير: «أمريكا أولاً» والذي يتخذه منهجاً لسياساته. ولا يأتي على ذكر لأزمة من أزمات الشرق الأوسط إلا ويكرر مقولته الشهيرة «لا للحروب الأبدية»؛ أي رفض التورط في مزيد من صراعات المنطقة.
ليس من الصعب فهم دوافعه ومبرراته سواء كانت مقنعة أم لا؛ لكن من العسير أن نفهم كيف يتبنى هذه التوجهات ثم يحيط نفسه بمساعدين لديهم رؤى وتوجهات مختلفة؛ بل متناقضة تماماً مع ما يدعو إليه. يتعين على ترامب كما تقول مجلة «أمريكان انتريست» تفسير هذا التناقض، ولماذا يختار مساعدين لا يشاركونه نفس أفكاره؟
أحد أهم وأكبر المختلفين في الرؤية والتوجه معه هو نائبه مايك بنس المحسوب على اليمين المسيحي الصهيوني أو الإنجيليكيين. أيضاً وزير الخارجية مايكل بومبيو وهو من أقطاب المحافظين الجدد أو على الأقل من المقربين جداً منهم.
وفي وقت سابق، ضمت الإدارة اثنين من أشد صقور هذا التيار اليميني المتشدد؛ هما: جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق، واليوت ابرامز المبعوث الرئاسي للأزمة الفنزويلية، وهما من مهندسي غزو العراق.
وشأن أعضاء التيار اليميني المحافظ يتبنى هؤلاء جميعاً نفس الأفكار التي تفترض أن لأمريكا رسالة عالمية ينبغي أن تؤديها بنشر مبادئها، وفي مقدمتها الديمقراطية؛ وحقوق الإنسان؛ وآليات السوق. وفي سبيل ذلك يستبيحون كل القيود القانونية والاعتبارات الإنسانية. ويبيحون لأنفسهم استخدام القوة؛ لفرض قيمهم بما في ذلك الغزو؛ وتغيير نظم الحكم؛ وشن ما يسمونه بالضربات الوقائية. باختصار أمريكا في عرفهم يجب أن تظل «شرطي العالم»، وهو توجه يرفضه ترامب علناً.
أدت هذه التناقضات بين الرئيس ومساعديه على مستوى الرؤية إلى تناقضات في التطبيق، ومحصلتها أظهرت غلبة آراء المساعدين. على سبيل المثال يرفض الرئيس الحروب الأبدية في حين كاد أن يشعل واحدة أخرى مع إيران؛ عندما استجاب لإلحاح مساعديه بقتل قائدها العسكري قاسم سليماني. وبينما حاول الانسحاب من سوريا، وأعلن ذلك مرتين لم يستطع تنفيذ قراره. وأقصى ما فعله هو الابتعاد عن الحدود مع تركيا؛ لكن بقيت القوات في سوريا.
وأراد الانسحاب من المناطق الملتهبة في الخليج والشرق الأوسط إلا أن ما حدث العكس، فبدلاً من تقليص القوات أرسل المزيد منها. ووفقاً لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية تم إرسال نحو 14 ألف جندي إضافيين بين مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الأول 2019. وبعد مقتل سليماني نشرت الوزارة 4500 جندي آخرين.
وبصرف النظر عن الطرف الذي يفرض إرادته في النهاية؛ الرئيس أم المساعدين، فإن التناقض في التوجهات بين الجانبين يحتاج إلى تفسير بالفعل. وقد تصدى لهذه المحاولة أستاذ العلوم السياسية كلاوس رين وهو مؤسس «معهد دراسات الدولة» في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية. ويرى أن هناك 3 تفسيرات محتملة، أولها أن ترامب لا يعي بالضبط أبعاد وتداعيات واستحقاقات المبادئ التي ينادي بها. وعلى ضوء ثقافته المحدودة وخبرته الضئيلة فإن اللاعبين المحنكين المحيطين به يتلاعبون بعقله ويصيغون نصائحهم في صورة تبدو متوافقة مع توجهاته أو مفيدة له.
التفسير الثاني المحتمل أن رفضه للتدخلات الخارجية ليس أكثر من تصريحات طنانة، وتكتيك لاستقطاب أصوات الناخبين. ولعل قربه من الإنجليكيين الذين يمثلون العمود الفقري لكتلته الانتخابية وهم أشد المتحمسين للتدخل العسكري في الشرق الأوسط؛ يعضد هذا التفسير.
الاحتمال الثالث هو أنه فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإن الرئيس ليس هو من يقرر في النهاية. وبتعبير كلاوس رين ليس لاعباً حراً. فهو يفعل ما يُملى عليه؛ وفشله من تنفيذ الانسحاب من سوريا يؤكد ذلك.
وقد تكون الاحتمالات الثلاثة مجتمعة هي الأقرب لتفسير هذا التعايش الغريب بين رئيس ومساعدين يتبنى كل طرف منهم، على الأقل علناً، توجهات متعارضة. ومن المؤكد أن ترامب لا يكترث كثيراً بذلك التناقض. هذا إذا كان متنبهاً أو مدركاً لوجوده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"