زيمبابوي وصراع الوجود

03:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

أعلن زعيم حركة التغيير الديمقراطي المعارضة في زيمبابوي مورغن تسفانجيراي فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 29 مارس/ آذار ،2008 داعياً الرئيس روبرت موغابي إلى الحوار وإلى انتقال سلمي للحكم. وكانت لجنة الانتخابات أعلنت فوز كل من الحزب الحاكم والمعارضة بثلاثين مقعداً لكل منهما في مجلس الشيوخ من أصل مقاعده الستين. وقد رفض الرئيس موغابي أقوال المعارضة حول فوزها في الاستحقاق الانتخابي، وأصدر أمراً بإجراء جولة انتخابات ثانية في البلاد.

ويطرح هذا التجاذب الكبير بين الحكومة والمعارضة أسئلة حول مستقبل هذه الدولة الإفريقية الفقيرة التي ما تزال تتخبّط في المحن منذ أكثر من مائة عام، والسبب في ذلك هو الاستعمار الاستيطاني البريطاني الذي استباح تلك الديار واستملكها وحوّل أهلها إلى عبيد لديه.

وينتمي شعب زيمبابوي إلى عرق البانتو الذين أنشأوا مملكة قوية في القرون الوسطى. وبموجب مؤتمر برلين الذي انعقد بين عامي 1884 1885 والذي ضمّ دول أوروبا الغربية وكان مخصصاً لتقسيم إفريقيا بين هذه الدول، أصبحت مملكة البانتو من نصيب بريطانيا التي استعمرتها عام 1888 وأسمتها روديسيا. ومن ثم في عام 1911 قسّمتها إلى قسمين روديسيا الشمالية التي أصبحت زامبيا فيما بعد، وروديسيا الجنوبية التي أصبحت زيمبابوي عام 1980. وقد دفعت وزارة المستعمرات البريطانية أعداداً كبيرة من الإنجليز للاستيطان في روديسيا ولاسيما في القسم الجنوبي منها.

وخلال فترة قصيرة أصبح للمستعمرين الإنجليز مستعمرات وامتلكوا ثمانين في المائة من أراضي زيمبابوي، وأنشأوا عام 1923 حكومة بيضاء محلية خاضعة للتاج البريطاني ومربوطة به. وكان المستعمرون يزرعون الأراضي بمحاصيل زراعية مثل قصب السكر والبن والقمح والذرة، ويستخدمون السكان الأصليين في عمليات الحفر وجني المحصول.

وعندما انهارت الامبراطورية البريطانية في الحرب العالمية الثانية، انكشف الغطاء عن أولئك المستعمرين الإنجليز في روديسيا لأن العالم بقيادته الأمريكية الجديدة، اتجه إلى تصفية الاستعمارين البريطاني والفرنسي من العالم، لا حبّاً من الولايات المتحدة بالشعوب المستضعفة والمقهورة، بل لأن عهد الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية قد انتهى.

وهكذا، استقلت دول كثيرة في إفريقيا وآسيا، وكان الاتحاد السوفييتي السابق يسعى إلى نشر دعايته الشيوعية في جميع أنحاء العالم ومنه قارة إفريقيا. وظهرت مجموعات شيوعية في أماكن متفرقة من القارة، وظهرت معها حركات مقاومة ضد المستعمرين الأوروبيين، وقد وصلت شرارة الثورة إلى الشعب الإفريقي المسحوق في روديسيا، فظهرت فيه حركة مقاومة عام 1967 اتخذت شكل حرب العصابات، وبرز روبرت موغابي قائداً لهذه المقاومة، وشكّل حزباً أسماه زانو. ولم تستسلم الأقلية البيضاء الإنجليزية المتحكمة، بل اندفعت لملاحقة الثوار وقتلهم والاقتصاص من ذويهم على شاكلة ما تقوم به إسرائيل اليوم ضد الشعب الفلسطيني. وقد ثابر حزب زانو على النضال حتى تمكن من قهر البيض، فاضطروا إلى القبول بإجراء انتخابات عامة في عام ،1980 وقد فاز فيها حزب موغابي زانو، فاعترفت بريطانيا رسمياً باستقلال روديسيا ضمن الكومنولث البريطاني، أي أنها تعترف بملك بريطانيا ملكاً عليها. وأصبح موغابي أول رئيس للوزراء في هذه الدولة التي أطلق عليها اسم زيمبابوي. ومن ثم استكمل موغابي خطوات الاستقلال عام 1990 عندما قطع صلة زيمبابوي ببريطانيا وأعلن عن قيام جمهورية زيمبابوي، وجمع في شخصه منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. ورغم انتقال السلطة إلى السود، إلاّ أن معظم الأراضي الزراعية ظلت في أيدي البيض. فقاد الرئيس موغابي عام 2002 حملة للإصلاح الزراعي ودفع الجيش إلى الاستيلاء على مزارع البيض. فحقدت عليه بريطانيا ولحقت بها حليفتها الولايات المتحدة، وقررت الدولتان العمل على إسقاطه. فبدأتا تضغطان من خلال المؤسسات الدولية على زيمبابوي للقبول بما يسمى الديمقراطية وإفساح المجال أمام حرية التعبير. وتم خلق شخصية سوداء معارضة هي مورغان تسفانجيراي ليقف في وجه موغابي. وقد أجريت انتخابات رئاسية عام 2004 وتنافس فيها الرئيس موغابي وزعيم المعارضة مورغان تسفانجيراي. وقد فاز آنذاك موغابي واتهمته بريطانيا والولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى بتزوير الانتخابات، وفرضت عقوبات على زيمبابوي وعلى الرئيس موغابي شخصياً.

واستمر زعيم المعارضة في العمل السياسي، وعاد الآن بشكل أقوى، وهو يدعي الفوز في الانتخابات. ولا شك أن الزمن لن يعود إلى الوراء في زيمبابوي، فهذه الدولة التي ما تزال تناضل من أجل الاستقلال، لن تقبل أن تقع من جديد في أيدي الأعداء. وهكذا، فإن مسيرة موغابي الاستقلالية سوف تستمر.

* كاتب من الإمارات

[email protected]

www.mohammedkhalifa.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"