أمريكا بين الوجود ومفترق الطرق

00:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد خليفة

يتابع العالم أجمع الانتخابات في الولايات المتحدة، لما لهذه الدولة من تأثير كبير على الصعيد الدولي، ولا تقتصر الانتخابات على منصب الرئاسة، بل تطال الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وحكام الولايات، والمجالس التشريعية. ويقترب الموسم الانتخابي وسط انقسامات سياسية حادة بين الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، وهما الحزبان الحاكمان في تلك الدولة. والانقسامات لا تقتصر على الشأن الداخلي، بل تمتد إلى علاقات الولايات المتحدة مع الخارج، بما يشمل أدوارها في مختلف الصراعات الدولية. وحتى الآن فإن بايدن وترامب هما المرشحان للحزبين، الديمقراطي والجمهوري. ومن المبكر القول لمن ستكون الغلبة بين هذين المرشحين، لكن ثمة إشارات تدل على أن ترامب هو صاحب الحظ في الفوز بمنصب الرئاسة، بعد أن نجح في انتزاع ترشيح الحزب الجمهوري، وتعرّضه لمحاولة اغتيال زادت من شعبيته.

ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظلت الولايات المتحدة تقود الاقتصاد العالمي، وأصبحت عملتها (الدولار) هي العملة العالمية، وكانت في الوقت نفسه، تتزعم ما يسمى، دول العالم الغني، غير أن انزياح القوة الاقتصادية نحو الشرق، وبالتحديد نحو الصين، قد دفع الاقتصاد الأمريكي إلى التراجع، وقد بدأت النخب الأمريكية تتلمس ذلك منذ العقد الأول من هذا القرن، وتم تحديد الصين كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة في العالم، فأطلق الرئيس الأسبق، باراك أوباما، استراتيجة (التوجه شرقاً)ن والتي تعني حشد كل طاقات الولايات المتحدة، وتوجيهها نحو الصين، بهدف محاصرتها، واحتوائها، ومنعها من الوصول إلى قمّة العالم.

وقد افتتح المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، الحرب الاقتصادية ضد الصين خلال ولايته السابقة، وتابع الرئيس الحالي جو بايدن السياسة نفسها، ورغم ذلك، فإن سياسة المرشحين (بايدن وترامب)، ليست واحدة تجاه الملف الصيني، وغيره من الملفات الدولية الأخرى، التي تهم الولايات المتحدة في العالم، فالرئيس جو بايدن يمثل الخط التقليدي من خلال التمسك بالحلفاء، والاعتماد عليهم في تمرير سياسات الولايات المتحدة، وهذا يتجلى في دعم الشركاء، الأوروبيين والأطلسيين، ضد روسيا، ومنعها من تحقيق النصر في أوكرانيا، أما ترامب فهو يمثل خطاً مختلفاً تماماً، فهو يرى أن سياسة التمسك بالحلفاء التقليديين للولايات المتحدة غير مجدية اليوم، في ظل تغير قواعد السياسة الدولية من جراء ظهور أقطاب عالمية جديدة من خارج المنظومة التي تسبح في فلك الولايات المتحدة، ولذلك، فقد سعى خلال ولايته السابقة إلى إظهار حسن النوايا تجاه روسيا، من خلال إهمال حلف شمال الأطلسي حتى أصبح في حالة موت سريري. كما أنه أهمل الشركاء الأوروبيين حتى أشيع بأن الولايات المتحدة ستفصم العرى عبر الأطلسي، ورغم أن تلك السياسة كانت تحت شعار (أمريكا أولاً)، لكنها جاءت في مصلحة روسيا، الأمر الذي قد يدل على أنه أراد التقارب معها، وكسبها إلى جانب الولايات المتحدة، وفي حال فوزه، سوف يتوقف عن تقديم الدعم لأوكرانيا، كما أنه سيتوقف عن دعم حلف شمال الأطلسي، وهو بهذه الطريقة سيهدي النصر في أوكرانيا إلى روسيا، لكن ذلك لن يكون من دون مقابل، فهو يعي حجم المشكلة الاقتصادية التي تعانيها بلاده بسبب الصعود الصيني، ويريد من روسيا أن تقف إلى جانبه ضد الصين، لكي يسهل عليه حصارها، وإخضاعها. فبقاء روسيا إلى جانبها يعني المزيد من القوة والتفوق لها.

لكن هل يمكن إبعاد روسيا عن حليفها القوي؟ في الواقع هناك أمور تجعل الدولتين مكرهتين على الدخول في وفاق دائم بينهما، فهما تشتركان في حدود طويلة، وشعوبهما متداخلة، وكلتاهما تعرضت للتمييز والمضايقة من قبل الولايات المتحدة، وشركائها الغربيين، وهما لا تزالان تعانيان جراء تلك السياسة، فالصين تعاني بسبب ملف تايوان، وروسيا تعاني بسبب ملف الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق الذي كانت هي الأساس فيه.

ومن المعروف أن الولايات المتحدة لا تريد أنداداً دوليين لها، بل تريد دولاً تابعة، وهي لا تلتزم بتعهداتها الدولية إلا بقدر ما تخدم تلك التعهدات مصالحها الخاصة، وتدرك روسيا طبيعة السياسة الأمريكية، وأن تلك السياسة قد تتغير مع تغير الإدارات الأمريكية، ولذلك، فإن من المستبعد أن تضحي روسيا بحليفها الصيني، بل ستبقى الدولتان يداً واحدة في مواجهة الأخطار المشتركة، كما أنه من غير المستبعد أن يكون ترامب، في حال فوزه، غير مستقر في حكمه، بل قد يتعرض لأخطار كثيرة.

والأسبوع الماضي، تعرض ترامب خلال تجمع انتخابي له في بنسلفانيا لمحاولة اغتيال، وأعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي أن التحقيق في هذه المحاولة قد يستغرق شهوراً. لكن من دون شك، فإن ما جرى هو أمر شديد الخطورة، ويكشف أن أعداء هذا المرشح لن يتوقفوا عن السعي لإقصائه، ومنعه من الوصول إلى الرئاسة. لكن ذلك لن يغير من طبيعة المعادلات الموجودة، لأن المشكلة ليست في المرشح الجمهوري الذي يسعى إلى التغيير والتصحيح، ما أمكن، بل المشكلة هي أن الولايات المتحدة نفسها في حالة ركود وكساد اقتصادي كبير، وأيّ رئيس جديد لن يكون بمقدوره سوى تأخير الانهيار الاقتصادي القادم لا محالة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mtdj533j

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"