رحلة الغروب الأمريكي

02:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

عبر التاريخ كانت الإمبراطوريات الكبرى تولد وتنمو وتزدهر ثم تشيخ وتذبل وتحتضر قبل أن تصبح ذكرى من الماضي. صعود وسقوط الأمم والكيانات السياسية العملاقة حتمية تاريخية.
ولن تكون الإمبراطورية الأمريكية الحالية استثناء من هذا القانون الكوني، وليس بمقدورها الإفلات، مهما طال الزمان، من النهاية المؤجلة التي تنتظرها.
وداخل الولايات المتحدة وخارجها يوجد من يناقش دائماً هذه الخاتمة ويضع سيناريوهات وتوقيتات مختلفة لها. بل هناك من يرى إرهاصات واضحة على الغروب الأمريكي. والمبشرون بأفول العصر الأمريكي يعتبرون أن قدرة واشنطن على البقاء على القمة تتضاءل، ولن يكون أمام الرئيس دونالد ترامب متسع من الوقت لتحقيق شعاره «أمريكا عظيمة من جديد» لأن المنافسة مع القوى المناوئة وتحديداً الصين وروسيا أصبحت ضارية.
وقد اعتبر تقرير مهم نشر الأسبوع الماضي على موقع «توم ديسباتش» ومجلة «نيشن» الأمريكيين أن هاتين الدولتين ستشكلان المعول الأقوى في هدم مستقبل الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم. لا يخوض التقرير في عوامل الوهن الكثيرة التي تنخر في بنيان المجتمع الأمريكي وتنال من حيويته، مكتفياً فقط بالتركيز على العامل الخارجي المتمثل في منافسة هاتين الدولتين.
ويحدد التقرير مجالين يعتبر أن البلدين حققا تقدماً مهماً فيهما على الولايات المتحدة. المجال الأول هو التكنولوجيا المتطورة والسبق فيه للصين، والآخر هو التسلح الحديث وتفوق فيه الروس.
ويحمل التقرير ترامب جزءاً كبيراً من المسؤولية عن هذه الكارثة لأن التفوق الروسي - الصيني تحقق جانب مهم منه خلال سنتي حكمه فقط. لذلك يحمل عنواناً يقول «تسريع ترامب لوتيرة الانحدار الأمريكي».
بعيداً عن قصة نجاحها الاقتصادي المذهل، حققت الصين إنجازاً هائلاً في تطوير التكنولوجيا الحديثة بصورة تتجاوز في بعض الجوانب ما حققته أمريكا نفسها. في هذا الإطار يشير التقرير إلى ما يعرف بخطة «صنع في الصين 2025» المعنية بتطوير عشرة قطاعات أهمها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والفضاء، والمركبات الكهربائية، والذكاء الاصطناعي، والنقل.
وخطورة الصين على أمريكا في المجال الصناعي هي أنها وبفضل عمليات الدمج الاقتصادي العالمي خلال العقدين الأخيرين أصبحت المزود الرئيسي للسلع ومستلزمات الإنتاج لأوروبا وأمريكا. وهذه الحقيقة لا يريد أو لا يستطيع ترامب استيعابها. وسواء أصر على حربه التجارية ضد الصين أو توقف فإن أي محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء مصيرها الفشل.
أحد النماذج المهمة لتفوق الصين تكنولوجياً على أمريكا رصدته دراسة شاركت فيها جامعة هارفارد الأمريكية العريقة وجاء فيها أن الصين ضاعفت حجم المنشور من الإصدارات العملية في الرياضيات والعلوم الطبيعية والهندسة أربع مرات في الفترة من 2000 إلى 2016 متفوقة بذلك على أمريكا للمرة الأولى.
نموذج آخر مهم هو المدفوعات المالية عبر الهواتف المحمولة والتي بلغت قيمتها في الصين 12,8 تريليون دولار في الأشهر العشرة الأولى من 2017 مقابل 3،49 مليار دولار في أمريكا خلال نفس الفترة. ولا يتسع المجال لسرد باقي فصول التفوق الصيني تكنولوجياً.
أما التفوق العسكري الروسي فقد أسهب التقرير في الحديث عن أنواع الأسلحة المتطورة التي أنتجتها روسيا في العامين الأخيرين. وعلى سبيل المثال أشار إلى طراز جديد من صواريخ كروز الشبحية متعددة المدى والتي بوسعها التخفي من الرادارات وبالتالي يصعب اعتراضها جواً.
سلاح آخر تحدث عنه باستفاضة هو فخر الصناعة العسكرية الروسية أي منظومة صواريخ «اس 400» للدفاع الجوي وهي منظومة متحركة مازالت حتى الآن خارج المنافسة. ويوضح اتحاد «الحد من التسلح في واشنطن» أن كل بطارية صواريخ في هذه المنظومة تتكون من ثماني قاذفات و112 صاروخاً مدى الواحد يصل إلى 400 كيلومتر وبوسعها مهاجمة 80 هدفاً في وقت واحد.
إذا كان هذا هو الخطر الذي تواجهه أمريكا من كل دولة على حدة، فماذا لو وحد العملاقان الروسي والصيني جهودهما ووطدا تحالفهما؟ تلك قصة أخرى مثيرة للقلق الأمريكي سنعود إليها لاحقاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"