كورونا وصفقة «إس 400»

04:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نورالدين

ينشغل العالم بوباء فيروس «كورونا» المستجد، الذي تحول إلى جائحة. وبعدما ظنت معظم الدول أن الفيروس الذي بدأ في الصين ووصل إلى إيران، لن ينتشر أبعد من ذلك، كانت المفاجأة أن الوباء عصف بإيطاليا بشدة، وأسقط آلاف الضحايا، ومن ثم امتد إلى بريطانيا وفرنسا وغيرهما. أما الولايات المتحدة وعلى الرغم من مكابرة الرئيس دونالد ترامب في البداية فإنه اكتشف أن القوة العظمى الأولى في العالم ستكون الأكثر انكشافاً للوباء العالمي، وتقدمت كل الدول في سباق الضحايا والإصابات.
وضع الولايات المتحدة كانت له نسخة مشابهة في العالم هي تركيا؛ إذ إن إجراءات مواجهة الوباء تأخرت كثيراً على الرغم من أنه كان واضحاً للعيان تأثيره السلبي في معظم الدول. وبعدما اعترفت تركيا متأخرة بوصول المرض إليها بدأت تظهر أرقام الإصابات، وترتفع بصورة دراماتيكية بمعدل خمسة آلاف كل يوم؛ بحيث تخطت وفي أيام قليلة أعداد الإصابات فيها الأعداد التي ظهرت في إيران والصين، لتقف اليوم خلف بريطانيا.
في ظل هذه الأوضاع الوبائية الشاملة كان انهيار أسعار النفط الأمريكي للعقود الآجلة من الأخبار التي لفتت الاهتمام لكن مع ذلك ليس من شيء الآن منفصل عن موضوع «كورونا». فتراكم كميات النفط في المخازن الأمريكية وعدم قدرة هذه على استيعاب المزيد من الكميات كان من تداعيات وباء «كورونا» فشلل الحركة العامة في كل الدول وبين الدول وإغلاق المطارات أدى إلى تراجع هائل في الطلب على النفط وبالتالي انهيار أسعار النفط إلى ما تحت صفر دولار.
في خضم هذه الانشغالات تواجه تركيا استحقاقاً مهماً وهو مصير صواريخ «إس 400» الروسية التي وصلت إلى تركيا في الصيف الماضي وبدأت التجارب عليها. والانشغال بهذا المسألة هو أنه يفترض مع نهاية شهر إبريل/نيسان الجاري أن تدخل المنظومة قيد العمل بشكل نهائي. وهنا بداية المشكلة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
فتركيا بحثت عن وسيلة لتعزيز دفاعاتها الجوية في مواجهة التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها خصوصاً بعد تفاقم الأزمات بينها وبين معظم جيرانها في المتوسط والشرق الأوسط والقوقاز. وكون تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي فقد طلبت في البداية شراء صواريخ باتريوت من أمريكا؛ لكن بسبب الخلافات بين البلدين منذ عهد باراك أوباما حول العديد من الملفات، امتنعت واشنطن عن تلبية الطلب التركي. حينها لجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا وأتم صفقة صواريخ «إس 400» المتطورة. وكان ذلك خطوة نوعية في تغيير تركيا مصادر حصولها على السلاح. ولم يكن الأمر ليمر مرور الكرام خصوصاً أنها دولة أطلسية، فكانت ردة الفعل الأمريكية والأطلسية قوية. وتصدى الكونجرس الأمريكي للخطوة التركية فأقر بمجلسيه النواب والشيوخ عقوبات عسكرية على أنقرة تمثلت في إخراج تركيا من مشروع إنتاج طائرات «إف 35» المتطورة وعدم تسليمها لتركيا علماً أنها كانت دفعت أكثر من نصف قيمة الطائرات الخاصة بها. كذلك أقر الكونجرس عقوبات اقتصادية على تركيا. وقد اقترحت إدارة ترامب تجميد العمل بمنظومة «إس 400» وعدم إدخالها قيد العمل إلى أن يتوصل الطرفان إلى مخرج لهذه المشكلة.
وتورد بعض التحليلات التركية إن أمام تركيا ثلاثة سيناريوهات:
- السيناريو الأسوأ وهو مضاعفة الضغوط الأمريكية على تركيا وتأكيد قرارات العقوبات والتحرك مجدداً في هذا الاتجاه.
- السيناريو الثاني وهو أقل سوءاً حيث لا يريد ترامب في هذه المرحلة الحساسة من وباء «كورونا» أن يتخذ أي قرار جديد يبعد تركيا أكثر عن واشنطن.
- السيناريو الثالث وهو الأفضل لتركيا في أن يتوصل الطرفان التركي والأمريكي إلى صيغة حل تحول دون انفجار العلاقات الثنائية.
فهل يكون «كورونا» عاملاً على منع انفجار العلاقات بين البلدين أم يدفع ترامب، مع نهاية الشهر الجاري، وبضغوط الكونجرس لتنفيذ تهديداته على تركيا؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"