الطائفية وطائفة الفساد.. لبنان نموذجاً

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نور الدين

اليوم السبت هو الأول من أيلول/ سبتمبر. يتذكّر اللبنانيون أنه يوم إعلان الاستعمار الفرنسي، قيام دولة لبنان الكبير عام 1920. وقيل «الكبير» باعتبار أن «لبنان» الذي سبقه هو لبنان الذي كان يضم فقط متصرفية جبل لبنان أي منطقة جبل لبنان الحالية في لبنان مع بعض الأماكن الشمالية.
من أكبر آفات النظام السياسي في لبنان الطائفية. فرنسا التي اعتمدت النظام العلماني في العام 1905 هي التي أرست الدعامات الطائفية للبنان بعد إعلانه «كبيراً». المسيحيون في لبنان لم يكونوا يريدون توسيع المتصرفية. فالأغلبية في المتصرفية كانوا مسيحيين إلى جانب أقلية درزية. أما المناطق الجديدة التي أضافتها فرنسا إلى المتصرفية، وعرفت باسم الأقضية الأربعة، فكانت بمعظمها من المسلمين السنّة والشيعة. مع ذلك بقي المسيحيون في لبنان الكبير الذي استقل عام 1943 أغلبية بنسبة 6 إلى 5، وهو الأمر الذي اعتمد في توزيع المناصب الإدارية والسياسية في البرلمانات والحكومات التي تأسست بعد ذلك.
وحتى لا نظلم فرنسا كثيراً، فإن أسس النظام الطائفي في لبنان قد اعتمدته الدولة العثمانية منذ مطلع أربعينات القرن التاسع عشر بضغط من الدول الكبرى حينها، واستمر حتى إعلان لبنان الكبير.
خطيئة فرنسا أنها تحلل لنفسها ما تحرّمه على غيرها. فالعلمانية والمساواة والديمقراطية مطلوبة للداخل الفرنسي، فيما الطائفية هي المطلوبة للبنان وغير لبنان. الهدف واضح، وهو فرض معادلات - ألغام داخلية لبنانية تتيح للخارج استغلالها عند الضرورة، لتفجير الأوضاع وتحقيق مصالح القوى الاستعمارية، وهو أمر لا يزال سارياً في طريقة تعامل الدول الكبرى اليوم مع قضايا العالم. بل إنه حيث «أخطأت» القوى الكبرى سابقاً ولم تفرض نظاماً سياسياً طائفياً أو إثنياً، عادت تستدرك «خطأها» وتفرض من جديد مثل هذا النظام، والعراق بعد غزوه في العام 2003 أحد أبرز الأمثلة على ذلك.
الحديث عن الطائفية ليس سوى مدخل للانتقال إلى جانب آخر من النظام السياسي اللبناني، ولا سيما ما بعد اتفاق الطائف، وهو الفساد المنتشر بصورة غير مسبوقة ربما في أي بلد في العالم.
الطائفية تسهم في انتشار الفساد. وللتبسيط نقول إن أي مشتبه فيه بالاختلاس والحصول على سمسرات ورشىً في أي صفقة أو مشروع، يسهل عليه أن يقول إنه متهم بالفساد لانتمائه الطائفي، وليس لأنه ارتكب فعل فساد أو لا. وتتحوّل قضية فاسد إلى دفاع عن «كرامة» طائفته «المستهدفة». وبذلك ينجو من فعل المحاسبة ويبقى طليقاً مختلساً. وهو بذلك يشجع الآخرين من كل الطوائف على ارتكاب فعل الفساد، لأنه ببساطة لن يجد من يحاسبه. وهكذا كبرت دائرة الفساد واستشرت حتى تحوّلت إلى منظومة متعاونة ومتشابكة ومعقدة لا سبيل للنجاة منها بأي طريقة إلا في حالة واحدة، وهي انهيار لبنان على من فيه. وهكذا تحوّلت الطائفية في لبنان إلى منظومة فساد وتحوّل الفساد إلى منظومة طائفية لا يُستثنى منها أحد. وما يشهده لبنان يعكس فعلاً «المعجزة اللبنانية» التي يفاخر بها اللبنانيون العالم، فيما هم غارقون حتى آذانهم في أكبر عملية سرقة للبشر في تاريخ لبنان والبشرية.
وتوزّع زعماء المنظومة الطائفية في لبنان موارد الفساد. فأصبح قطاع الكهرباء من حصة هذا الزعيم الطائفي، ولا دخل لزعيم آخر من طائفة أخرى بهذا القطاع. وباتت النفايات من حصة فلان، والجمارك من حصة آخر، ومعاينات السيارات لزعيم آخر. ومن يرِد أن ينجح في وظيفة عسكرية أو مدنية عليه أن يدفع رشوة تصل أحياناً إلى مئتي ألف دولار، وفقاً لتصريحات مختلفة من أكثر من مصدر، وقس على ذلك. وفي النهاية بات البلد منهوباً لزعماء طوائفه، فيما المواطن العادي يفتقد لكل أنواع الخدمات من المياه والكهرباء إلى النظافة والبيئة النظيفة والساحل النظيف، وشروط السلامة المرورية.
الجميع في «نظام الفساد» سواسية في التواطؤ على المواطن وكرامته واحترامه.الجميع طائفتهم الأولى هي الفساد، وما يطلق عليه «سويسرا الشرق»، ليس سوى أكبر جمهورية موز عرفها التاريخ الحديث. أما التبعيّة للخارج لدى المسؤولين في لبنان، فهذا له حديث آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"