الانتخابات الصهيونية لا تتأثر بالربيع العربي

04:07 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعد عامين على موجة الربيع العربي يسترعي الانتباه أن الكيان الصهيوني، لم يتأثر بعد تأثراً ملموساً بهذه الموجة . ما زال التبادل الدبلوماسي قائماً بين القاهرة وعمان من جهة، وتل أبيب من جهة ثانية . لقد انخفضت وتيرة الزيارات المتبادلة ومظاهر التطبيع الرسمي، لكن العلاقات والمعاهدتين لم توضع بعد على المحك، أو أمام اختبار جدي . بل إن بعض تداعيات الربيع مثل الملف الكيماوي السوري جددت بعض الاتصالات عالية المستوى بين عمّان وتل أبيب وإن تم ذلك بصورة شبه سرية .

على أن المظهر الأكثر وضوحاً لضعف تفاعلات موجة الربيع العربي داخل المجتمع الصهيوني تتمثل في أجواء الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة عندهم يوم الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري، فما زال اليمين الأشد تطرفاً يتقدم الصفوف ممثلاً بأحزاب الليكود وإسرائيل بيتنا والأحزاب الدينية، كما كان عليه الحال قبل موجة الربيع هذه . الخيار الأمني ومواجهة الملف النووي الإيراني هما سيدا الطروحات الانتخابية وليس السلام الشرق أوسطي . صمود حركة حماس في غزة وعدم تحقيق الحرب الأخيرة على القطاع لأهدافها، يجري اتخاذهما ذريعة للتحذير من وصول حماس إلى الضفة الغربية، وهو ما فتىء نتنياهو يحذر منه، ويستخلص من ذلك أن الأولوية هي لمواجهة هذا المحظور . الاستيطان بطبيعة الحال مستمر في القدس العربية ، ومعه بناء جدار عازل في الجولان على الحدود مع سوريا تفادياً لأية تطورات للأزمة السورية، وهي المستجد الذي حجب القضية الشرق الأوسطية عن دائرة الاهتمامات، عدا استثناءات تمثلت في الحرب على غزة، وتبوؤ فلسطين موقع دولة مراقب في الأمم المتحدة .

في واقع الأمر ان الكبح السياسي الذاتي في الضفة الغربية حال دون بزوغ موجة ربيع فلسطينية، وما انفك محمود عباس يردد أنه لن يسمح بانتفاضة ثالثة! بينما تطغى على قيادة السلطة في رام الله هواجس الانقسام مع حركة حماس وتداعياته . وبينما شهدت غزة احتفالاً شعبياً حاشداً ونادراً لحركة فتح لمناسبة ذكرى انطلاقها، فإن هذا الحدث الشعبي المميز لم ينعكس حتى تاريخه على سياسة السلطة التي تقودها عملياً حركة فتح، ولا أدى بحركة حماس إلى تسريع جهود وقف الانقسام رغم تصريحات إيجابية بهذا الخصوص لعدد من قادتها . أما اللقاء الأخير بين عباس وخالد مشعل برعاية الرئاسة المصرية فقد انتهى إلى حلول بيروقراطية بتشكيل لجان . .

في المنظور الصهيوني فإن الفصل السياسي والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية هو من الثوابت، وبالتالي فإن الانقسام السياسي والسلطوي بين رام الله وغزة يشكل مكسباً صهيونياً من اجل استمرار الإطباق على الضفة، وتغذية الاحتلال الاستيطاني وتعميمه على أرجاء الضفة، وفي كل موضع استراتيجي فيها . هناك حد أدنى من صمود السلطة يتمثل في رفض استئناف التفاوض مع استمرار الاستيطان، لكنه في النهاية من قبيل المقاومة السلبية، فالاستيطان متواصل بمفاوضات أو بدونها، ما يُملي مواجهته بعيداً عن موضوع التفاوض . هكذا يبدو العامل الذاتي الفلسطيني قاصراً عن مواجهة هذا التحدي، في وقت هدأت الجبهة مع حزب الله منذ أزيد من ست سنوات وانحسرت ما تسميه تل أبيب التهديدات الأمنية وهو ما يفسر الانشغال بما وراء الحدود . . بالملف النووي الإيراني . وبينما انشغلت تل أبيب في العام 2011 بتأثير صعود الاسلام السياسي في كل من تونس ومصر، كخطر قد يهددها على المدى المتوسط، فان الانشقاقات الاجتماعية الواسعة في البلدين حول القوى الجديدة الصاعدة وضعت هذه القوى في موقف دفاعي، بما هدأ من المخاوف الصهيونية، علاوة على أن قوى الإسلام السياسي نفسها لم تضع مواجهة الخطر الصهيوني على سلم أولوياتها حتى الآن . أما التيارات الاسلامية في المعارضة السورية فقد ووجهت ب فيتو أمريكي وغربي ، بما يحدّ من تأثيراتها في المستقبل القريب على معادلات الصراع في المنطقة، هذا إذا تسنّى لها أن تتمكن في الداخل .

وهكذا فإن موجة الربيع العربي لم تحمل بعد تأثيرات ملموسة على تل أبيب، لكن هذه الموجة منعت من تسارع عمليات التطبيع الرسمي واتساعها في مصر والأردن، وعمقت مع المزاج الراديكالي السائد نوازع العداء لدولة الاحتلال لدى الرأي العام العربي، والاختراق الصهيوني لدول عربية أخرى بات شبه متعذر باستثناء اختراق اقتصادي يتم بأشكال تحايل مختلفة على مصادر المنشأ،أو مع غض النظر أحياناً .

في هذه الأجواء يزدهر اليمين الصهيوني المتطرف، وتغيب الطروحات السلمية الجدية في الانتخابات، ومن يأخذ على نتنياهو قلة سلميته مثل حزب كاديما أو حزب العمل فإنه لا يطرح من جهته حلولاً تذكر تتعلق بمستقبل الأرض، وتنظر النخب الصهيونية إلى الربيع العربي على أنه تطورات داخلية تخص الدول والشعوب التي تشهده، ما دامت ليست له انعكاسات مباشرة عليها، والأنظار تتجه بالدرجة الأولى إلى مصر وبالذات إلى القيادات الجديدة لوزارة الدفاع في هذا البلد، التي ارتقت إلى مواقعها في أجواء الثورة المصرية، بانتظار أن يهدأ السجال الدستوري، وأن تجرى انتخابات جديدة في مصر كما في تونس قبل منتصف هذا العام .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"