برود «التاج» ودفؤه

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

لماذا يحصد مسلسل ما 4 جوائز «جولدن جلوب»، التي تعتبر من أهم الجوائز التي ينتظرها صناع ونجوم الأفلام والمسلسلات الأجنبية؟ لا بد أن يكون حصد أكبر نسبة من تصويت رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود، (87 عضواً)، ولا بد أن يكون حصد قبل الرابطة أكبر نسبة إعجاب من المشاهدين، وصار حديث الناس والصحافة في كل مكان.
هذا ما فعله مسلسل «التاج»، أو «ذا كراون»، الدرامي البريطاني، وكنا نتوقع له الفوز على الأقل بجائزة أفضل مسلسل، بعد الضجة التي أثارها في كل مكان، وبيت وصلت إليه «نتفليكس»، بما في ذلك القصر الملكي في بريطانيا، إذ أبدى بعض أفراد العائلة المالكة انزعاجهم من أحداث «مبالغ فيها» على حد قولهم، وطالبوا «نتفليكس» بالتنويه بأنه «مسلسل خيالي»، وأحداثه ليست حقيقية. طبعاً الشبكة لم تستجب، بل اعتبرته عملاً فنياً لا بد أن يكون للخيال فيه، ولحرية التعبير مساحة.
4 جوائز حصل عليها «ذا كراون»: أفضل مسلسل، وأفضل ممثلة إيما كورين التي جسدت دور الأميرة ديانا، وأفضل ممثل جوش أوكونور الذي لعب دور الأمير تشارلز، وأفضل ممثلة مساعدة جيليان أندرسون التي أدت شخصية مارجريت تاتشر. ومن شاهد العمل بكل أجزائه، يدرك أن الفوز هذا مستحق، بل هناك شخصيات أخرى كانت تستحق الجوائز أيضاً، بل كل من عمل في المسلسل أبدع وتألق وأبهر الجمهور.
إنه العمل المكتمل، اجتهد كثيراً بيتر مورجان في كتابته، قصة وسيناريو، وعمل بدقة متناهية مع المخرج ستيفن دالدري في كل تفصيلة، وكلمة، وموقف، ومشهد، إذ ليس من السهل أن تكتب قصة حياة الملكة إليزابيث الثانية وعائلتها وتدخل في التفاصيل الخاصة والعائلية، وأنت تعلم جيداً أنك ستكون تحت المجهر، والملكة ستشاهده بنفسهان ولا شك في أن كل العائلة المالكة شاهدته أيضاً، ولو من باب الفضول. جرأة لا يتحلى بها إلا من كان واثقاً من جودة عمله وإتقانه وصدق المعلومات فيه.
ميزة المسلسل أنه، وبفضل هذا الحرص وهذه الدقة، يأخذك فعلياً إلى قلب القصر والعرش البريطاني، بكل الفخامة والعظمة، وبكل البرود والقوانين الصارمة، والجفاء العاطفي، والقسوة التي تفرضها قوانين الملوك في بريطانيا، ولا يستثنى منها أحد. قسوة لا يتحملها أيّ كان، ودروس تفهم منها كيف ولماذا تتعامل الملكة مع مواقف حاسمة تتعلق بأسرتها، أو بقرارات مصيرية لبلدها. وأصعب الدروس التي تعلمتها إليزابيث في صغرها «ألا تفعل شيئاً»، فالملك عليه أن يلتزم الصمت ولا يفعل شيئاً.
 المسلسل صادق وإن استعان بالخيال لتشكيل دراما تلفزيونية ناجحة. التصوير مبهر تنقّل فيه المخرج بين لندن واسكتلندا ووادسون مانور والكلية البحرية الملكية القديمة، وجنوب إفريقيا، وسخاء في الإنتاج مناسب للملكية. ورغم البرود الذي يفرضه العرش، عرف المسلسل كيف يداعب مشاعر الجمهور ليتعاطف مع شخصياته، وننتظر الجزء الخامس ببروده ودفئه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"