شرعنة الاستيطان

03:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بشأن المستوطنات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية، والتي أعلن فيها أن المستوطنات لا تتعارض مع القانون الدولي، لا تمثل في الواقع أي جديد بالنسبة للسياسة الأمريكية، التي اعتمدت الوقوف إلى جانب الباطل «الإسرائيلي» منهجاً لها منذ بدايات الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، كما أنها لا تشكل سوى امتداد للسياسة اليمينية المتطرفة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتزعم اليمين الغربي كله.
وأي متتبع للسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، قد لا يرى أي جديد في تصريحات بومبيو، فيما يخص الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، الذي تخندقت فيه الولايات المتحدة إلى جانب «إسرائيل» على الدوام، لكن اللافت في هذه التصريحات، أنها تمثل انتهاكاً فعلياً للقانون الدولي الإنساني، الذي تتشدق الولايات المتحدة بأنها تحرص على تطبيقه وحمايته في العالم، حيث إن هذا القانون يمنع الدولة المحتلة من نقل مواطنيها إلى المناطق التي قامت باحتلالها بحسب المادة 49 لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 الفقرة السادسة. كما أن اتفاقية لاهاي لسنة 1907 تنص صراحة على منع الدولة المحتلة من إجراء تغييرات دائمة في الأراضي المحتلة، زد على ذلك أن تصريحات بومبيو تناقض حتى السياسة الأمريكية المعلنة التي كانت حتى 18 نوفمبر 2019 تعتمد، نظرياً على الأقل، على رأي قانوني صادر عن وزارة الخارجية في عام 1978 يعتبر أن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية تتعارض مع القانون الدولي.
وبغض النظر عن المعاني والأهداف التي تحملها مثل هذه التصريحات الأمريكية المتلاحقة، والتي تفوق في تطرفها المواقف «الإسرائيلية» ذاتها، إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو أن هذه التصريحات، رغم أنها تفند مزاعم الولايات المتحدة، حول سعيها إلى تحقيق السلام في المنطقة، فإنها أيضاً تمثل ضربة قاضية لاحتمالات السلام فيها، رغم ضآلتها، بل من شأنها أن تدفع الأمور في المنطقة إلى مزيد من التوتر وإراقة الدماء.
ولو عدنا إلى كل المواقف السابقة التي أعلنتها الإدارة الأمريكية الحالية، سواء بالنسبة للاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» أو الاعتراف بضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة، أو إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، أو تخفيض المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ومواقف الولايات المتحدة الداعمة للعدوان «الإسرائيلي» في المحافل الدولية. لو عدنا إلى كل هذه المواقف والقرارات، نلاحظ أن السياسة الأمريكية باتت بعد هيمنة اللوبي الصهيوني على مفاصل القرار الأمريكي، نسخة طبق الأصل عن السياسة العدوانية «الإسرائيلية» تجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يفقد واشنطن أي مشروعية لدورها كوسيط في عملية التسوية السلمية.
واللافت أن الإدارة الأمريكية تدرك في الواقع مخالفة مواقفها للقوانين والأعراف الدولية، بل وتدرك المخاطر المترتبة عليها، وهو ما تفسره التحذيرات التي وجهتها السفارة الأمريكية في «إسرائيل» والتي نصحت من خلالها المواطنين الأمريكيين في القدس أو الذين يفكرون في السفر إلى القدس أو الضفة الغربية أو غزة، بالحفاظ على درجة عالية من اليقظة واتخاذ خطوات مناسبة لزيادة وعيهم الأمني في ظل الأوضاع الراهنة.
والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها الآن هي أن الإدارة الأمريكية توغل في تنمرها ضد شعبنا الفلسطيني، وقضيته الوطنية العادلة، بل وتعرض بمواقفها هذه الأمن والسلم الدوليين للخطر.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، كيف سيواجه العرب والفلسطينيون خاصة، هذه المواقف العدائية؟ وهل تكفي سياسة التباكي على منصات المنابر الدولية، لرد المخاطر التي تحملها السياسة الأمريكية على القضية الفلسطينية؟ أم آن الأوان لاتخاذ خطوات جدية وفاعلة، وأولها إعادة النظر في مفاوضات السلام العبثية، التي ابتدأت مع اتفاق أوسلو، وما تبعه من مسرحيات دفع ثمنها الشعب الفلسطيني من دماء أبنائه.
أخيراً لابد من القول إن الشعب الفلسطيني ليس أمامه سوى خيار وحيد في ظل هذا التغول الأمريكي «الإسرائيلي»، هو مواجهة الاستيطان «الإسرائيلي» العنصري، من خلال المقاومة، التي يجب أن تمضي جنباً إلى جنب مع مواجهة أمريكا و«إسرائيل» سياسيّاً في المحافل الدولية، وإلا فإن القضية الفلسطينية ستواجه خطر التصفية النهائية لصالح المشروع الصهيوني العنصري.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"